أحمد منصور : الحكومات تتحمل المسؤولية عن إهدار الحق في الحياة وعن إطلاق مارد العداء للآخر من قمقمه

في مقابلة مع موقع “مينا رايتس كابل” (Mena Rights Cable ) تحدث الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور في مسألة حماية الحق في الحياة، والحق الإنساني بشكل عام في زمننا القريب المعاصر، تصاحب مع الربيع العربي؛ بدايته ونهايته

في مقابلة مع موقع “مينا رايتس كابل” (Mena Rights Cable ) تحدث الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور في مسألة حماية الحق في الحياة، والحق الإنساني بشكل عام في زمننا القريب المعاصر، تصاحب مع الربيع العربي؛ بدايته ونهايته. و في ما يلي فحوى مقابله :

“في بدايات الربيع العربي. كان هناك زخم شعبي ضاغط وبدأت السلطات بالتراجع خطوتين للوراء. في نهاية 2011 بدأت أشعر بأن الحكومات أعادت رص صفوفها، وكانت السنة المفصلية هي سنة 2012، حين استملكت الحكومات زمام الأمور ووضعت استراتيجة للتعامل مع الأمور تقوم على التعاطي الأمني الصرف مع جميع أنواع (المشاكل)، سياسية أو حقوقية ، بما في ذلك التعبير السلمي عن الرأي.”

وما الذي فعلته حكومات المنطقة على وجه التحديد في هذا السياق؟

“تم تعزيز ترسانة القوانين المفتوحة على مصراعيها، والتي تستطيع الحكومات استخدامها بشكل انتقائي ضد جميع أنواع المعارضة والأنشطة السلمية. وانخرطت في بناء تحالفات إقليمية، منها أحلافٌ خليجية على سبيل المثال”.

لكن ذلك لا يُفسرُ ربما تصاعد وتيرة أعمال القتل على يد الجماعات المسلحة في ذات الفترة المذكورة. أليس كذلك؟

“بل تتحمل الحكومات وزر ذلك بالدرجة الأولى، والمنظمات والجماعات التي تقوم بتلك الأعمال هي منظمات خارجة عن القانون، ولا أستطيع تحميلها نفس المسؤولية لجهات لديها التزامات دولية، وخاصةَ على ضوء أن المجموعات الإرهابية والمجموعات المسلحة لديها عداء شامل مع كل الحقوق ولا سيما الحق في الحياة. وبالإضافة لذلك، فالعديد من الأنظمة المتهمة بارتكاب جرائم حرب لديها علاقات مشبوهة مع هذه المجموعات. هذه الأنظمة اتخذت كل ما يمكن أن يحمي وجودها، ومن ضمن ذلك وجود هذه المنظمات بحد ذاته، لأنها تعطيها الذريعة لارتكاب جرائم، كما أنها تستخدمها على شكل بعبع لتثبيت شرعيتها وترسيخ ووجودها.”

وبالرغم من ذاك، إلا أننا نشهد اتساعاً غير مسبوق في التأييد “الشعبي” لأعمال القتل واهدار حق “الآخرين” في الحياة. من أين يأتي ذلك؟

“أساس المشكلة سياسي وليس شعبي، في تفسير اتساع التأييد لاهدار حق الآخر في الحياة. ويتخذ قبول عقوبة الإعدام، على سبيل المثال، أبعاداً غالباً ما ترتبط بجذور مذهبية، وبالتحديد في هذه المرحلة الراهنة. لكن من الضروري التأكيد في هذا السياق، أن المشكلة الطائفية في المنطقة هي أصلاً سياسية، فاقمتها الأنظمة الى أن أصبحت شرارة يصعب السيطرة عليها (حتى من قبل نفس الأنظمة التي اطلقتها). ونرى الآن مارداً خرج من قمقمه، في العراق وسوريا بشكل ضخم والبحرين بشكل آخر. وتتناغم هذه الحالة مع التوجه السياسي في الوضع القائم في المنطقة، والذي يتم من خلالها  وبشكل ملحوظ استغلال الوسائل الإعلامية للدفع في هذا الاتجاه.”

هل يتفق هذا التشخيص بشكل عام مع الحالة السياسية والشعبية في الخليج؟

“في منطقة الخليج، في موضوع الحق في الحياة. تتمحور المسألة حول التوجه المذهبي. لكن بعض الدول التي لا تعاني من المشكلة ليس أحسن. مثلاً مصر، لعب التحريض دوراً كبيراً في مصر. وتعتبر مجزرة رابعة أضخم مجزرة في التاريخ الحديث. كما تم استخدام البرامج الإعلامية تم استخدامها لتهيئة الرأي العام لتبرير القتل ومن ثم إاعطائه شرعيةً وتصويره باعتباره مسألة حتمية لا يمكن من دونها للوطن العبور لبر الأمان.”

ما زلتَ مُصراً على مسؤولية “النظام” و”الدولة” بالرغم من جدلية فكرة الدولة ووجودها من عدمه في المنطقة في الزمن الراهن؟

“لا يمكن اخراج النظام السياسي من التأثير في مسألة الحق في الحياة. الأنظمة السياسية الديكتاتورية هي المسؤولة عن تفشي حالة القتل. وهي أسوأ من المجموعات الخارجة عن القانون. وهي تشرع وتتوسع في عقوبة الإعدام. ورأينا دولاً تراجعت عن تعليق عقوبة الإعدام. الأنظمة هي المسؤول الأساسي عن تفشي الظاهرة. ومن ضروب ذلك، التعليم الديني في بعض الدول والذي يساهم في تفاقم عدم احترام حق الآخر، ولا يعترف بمذهب الآخر، ويحرم عليه شعائره والخ.

أين تبرز الأمثلة على المسؤولية الفعلية للأنظمة والحكومات في تجييش “الطائفية”؟

في دولة مثل البحرين، كان الناس يتزاوجون ويتصاهرون الى ان جاء 2011، وتم شق السلم المجتمعي من خلال سياسات الحكم وأدواته. لكن لو لم توجد السياسة ولم تقم باستغلال الطائفية لما تفاقمت (الطائفية) الى هذا الحد. أما العراق فهو حالة خاصة منذ 2003، وبدأ التخوف من الظاهرة الطائفية خاصة فيما يتعلق بالحكومات المتعاقبة على العراق التي كانت ذا توجهات طائفية في عدة مراحل من حكم العراق. ولا أعفي نظاماً سنياً أو شيعياً هنا. وتتشارك ايران والسعودية وبعض دول الخليج في الاضطلاع بالعزف على هذا الوتر. لكنها (أي الحالة الطائفية) تبدو كما لوكانت حالة كامنةً لدى شرائح كبيرة من المجتمعات الخليجية، وتحولت إلى حالة فاعلة على إيقاع الفعل السياسي الذي أخرجها من كمونها. إلا أن من المؤكد أن تلك الحالة كان بإمكانها أن تذوي وتتلاشى مع حرية التعبير والفكر والعبادة والحماية القانونية لحقوق الآخرين. ومع النافذة البسيطة التي فنحتها مواقع التواصل الاجتماعي، قام الجميع باخراج أسوأ ما فيه؛ مثل المرض المذهبي،و المرجعات القبلية، والفكرية.”

هل تقولُ بأن وسائل التواصل الاجتماعي متهمةٌ بأنها السبب في إهدار الحق في الحياة؟

“وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة وليس متهمةً بعينها. اذا اخذنا بعين الاعتبار سياق الحرمان من التعبير في المنطقة، فما نشهده من خلال هذه الوسائل ليس خارج سياق التطور الطبيعي للأمور حين تنفجر. نحن الآن في حالة المُكونات موضوعةٌ في خلاط ما زال دائراً، والوضع ما زال متشابكاً. لو تابعنا برامج التواصل الاجتماعي، فالانسان العربي فيها يُخرج كل ما لديه، سيء وجيد، وهناك تجد أغلب المبررات التي تجد قبولاً لإهدار حق الآخر، ولها أبعاد طائفية. لم يكن موجوداً في السابق. والحالة الراهنة تبدو وكأنهم وخزوها بإبر مُهيجة فبدأ الجميع في اخراج العفن. لكن من يُخرجُ الكلام السليم يلقى عكس ذلك، والدليل أننا نرى بأن أغلب اسجناء الرأي أصبجوا كذلك بسبب ما قالوه على وسائل التواصل الاجتماعي.”

إذن هل بإمكان “الدولة” إعادة الأمور إلى نصابها  فيما يتعلق بإحترام الحق في الحياة؟

“أغلب الدول باستثناء مناطق التوتر والنزاع، ما زالت دولاً مستقرة، تفرض النظام ومازالت تتوسع في فرض عقوبة الإعدام، ونطاق تطبيقها. هذه الدول لا يمكن تبرئتها، من مسؤولية تطبيق العقوبة وتفاقم الظاهرة، كإيران والسعودية مثلاً، أما الامارات فقد توسعت تشريعياً بشكل كبير في في تغليظ العقوبات ومنها الإعدام. وهناك ميزانٌ غريبٌ يسود مشهد التوازنات الدولية فيما يتعلق باحترام حقوق الانسانز فالإمارات مثلاً تعهدت للاتحاد الأوروبي بوقف عقوبة الاعدام خلال المفاوضات مع الاتحاد لاعفاء مواطني الامارات من تأشيرة الشينجن، لكنها عادت وأصدرت عدة قوانين تتضمن عقوبة الإعدام. ومن الواضح أن الدول لم تعد تحترم تعهداتها، والكثير من الحالات التي تتضمن عقوبة الإعدام هي حالات سياسية.”

تطبيق عقوبة الإعدام هو أحد وجوه تفاقم اهدار الحق في الحياة، لكنه ليس الوجه الوحيد. أليس كذلك؟

“هناك تفاقم لظاهرة القنل خارج اطار القانون على خلفية سياسية.  فوق ذلك، وصلت الأنظمة للدرجة التي تجعلها تضع خصومها السياسييين في قائمة الإرهاب مما يجعلهم عرضة لأي عقوبات… مثلاً التصفية لأعضاء جماعة بعينها من خلال وضعها على لائحة الإرهاب. الشيطان الأكبر هو الأنظمة التي تخلق جميع المشاكل، وهي التي أسهمت في خلق هذه الحالة (العداء الديني للآخر). كل شيء يُمكن أن يُحتوى متى ما وجدت أنظمة مقتنعة بهذه القيم.”

الحلول ربما غير موجودة الآن أم أنكم لا تتفقون مع ذلك؟

“لا توجد حلول سحرية في حماية الحق في الحياة. الإشكالية هي أن العالم يتجه للأسوأ حتى من زاوية الرؤساء الذين كان بالإمكان التعويل عليهم.. دونالد ترامب، مثلاً، لن يُبالي بالترويج لهذه الحقوق.. الممارسة الضاغطة من قبل بعض المنظمات والبرلمانات، من أسفل إلى أعلى، والتكتلات الإقليمية الموجودة بها؛ ربما من شأنها جميعاً أن تكون مفتاحاً للحل، إلا أني لا أعرف مدى فاعليتها في الوضع الراهن. لكن ما زال هناك منظمات تعمل على مكافحة عقوبة الإعدام، والأحداث منهم على وجه التحديد. وأخرى تعمل مع الحكومات لالغاء العقوبة أو تعليقها او استبدالها. لا أدوات أخرى متاحة، بسبب طبيعة الأنظمة الديكتاتورية. ولا يمكن التعويل الآن على شعوب المنطقة لايقاف هذا الإهدار. العبء كله يقع على الدول التي تحترم الحق في الحياة والمنظمات والناشطين الذين ربما يقع عليهم عبء قيادة هذه الجهود”.

المصدر https://rightscable.com/2017/01/10/%D9%85%D9%8F%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%84%…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى