مركز حقوقي يسلط الضوء على قضية اسقاط الجنسية في دولة الإمارات

في تقرير جديد أصدره المركز الدولي للعدالة و حقوق الإنسان تم تسليط الضوء علي قضية اسقاط الجنسية في دولة الإمارات العربية المتحدة و هوما يعد اجراء غير قانوني و تعسفي ضد النشطاء و الحقوقيين في الدولة .

في تقرير جديد أصدره المركز الدولي للعدالة و حقوق الإنسان تم تسليط الضوء علي قضية اسقاط الجنسية في دولة الإمارات العربية المتحدة و هوما يعد اجراء غير قانوني و تعسفي ضد النشطاء و الحقوقيين في الدولة . 

في انتهاك صارخ لحقوقهم تتعمد السلطات الإماراتية  تجريد نشطاء سياسيين إماراتيين ومدافعين عن حقوق الإنسان من جنسيتهم بعد أن حاكمتهم في محاكمة جائرة تتنافى و المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

تجريد تعسفي من الجنسية ومحاكمات دون ضمانات عادلة

تعدّدت الاعتقالات لنشطاء سياسيين ولمدافعين عن حقوق الإنسان من قبل سلطات دولة الإمارات عقب التوقيع على عريضة تطالب رئيس دولة الإمارات بانتخاب مجلس وطني كامل الصلاحياتفي مارس 2011  .

وتكفّل جهاز أمن الدولة باعتقال المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدونين ونقلهم إلى جهات غير معلومة ولقد أفاد عدد من المعتقلين تعرضهم للاختفاء القسري وللتعذيب وللمعاملة المهينة والحاطة من الكرامة حين التحقيق معهم كما منع عنهم الحق في ملاقاة محام وزيارة الأهل لتتمّ وبشكل متأخر إحالتهم على دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا وأحكامها نهائية لا تقبل الطعن لمحاكمتهم من أجل مطالبات إصلاحية وسلمية أو من اجل التضامن مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أو من أجل تغريدات وعلى معنى قوانين لا تضمن احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون مثل المرسوم بالقانون الاتحادي رقم 5 لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات والقانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية وهو ما رصدته المقررة الأممية الخاصة المعنية باستقلال القضاء والمحامين غابرييلا نول أثناء زيارتها لدولة الإمارات في 27 يناير 2014 ولاحظت خرق الدستور الإماراتي الذي كفل ضمن مواده حرية التعبير وخرق للمواثيق الدولية ذات الصلة .      

   

ولقد شملت قرارات التجريد التعسفي للجنسية الإماراتية عددا من المحكوم عليهم ضمن القضية المعروفة ” إمارات 94 ” والتي وصفت من قبل عديد المنظمات الحقوقية والمقررين الأمميين الخاصين وفريق العمل المعني بالإعتقال التعسفي بالمحاكمة التي لا تتوفر فيها المعايير الدولية للمحاكمة العادلة وتعددت المطالبات الدولية بالإفراج عن المحكومين ضمنها :

  • الشيخ محمد عبد الرزاق الصديق
  •  الدكتور على حسين الحمادي
  •  الدكتور شاهين عبد الله الحوسني
  •  الأستاذ حسين منيف الجابري
  •  الأستاذ حسن منيف الجابري
  •  الأستاذ إبراهيم حسن المرزوقي
  •  الأستاذ احمد غيث السويدي

ووجدت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة في معارضة الناشطين السياسيين والحقوقيين لنهج حكمها وعدم مراعاتها للحقوق والحريات وعدم إجرائها لإصلاحات تمكّن لسيادة القانون  خطرا على أمن الدولة وسلامتها وموجب لتجريدهم من الجنسية وإسقاط المواطنة الإمارتية عنهم طبقا لأحكام المادة 16 من قانون الجنسية الإماراتي رقم 17 لسنة 1972 .

 

إلغاء الجنسية: الإجراءات والتشريعات

وبداية سنة 2016 تمّ رصد خمسة عشر حالة من سحب الجنسية وإسقاطها وقد شمل بعضها الأب والزوجة والأطفال وبعضها لم يشمل غير الأب والأطفال دون الزوجة وبعضها الآخر شمل الأب والزوجة والأبناء والأحفاد وبلغ العدد في ما وصل المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان من معلومات ستين فردا ( 60 ) .

وتتولى إدارة الجنسية والإقامة بدولة الإمارات استدعاء المعنيين وتطلب منهم إحضار  أوراقهم  التعريفية  كالهوية  ورخصة القيادة وغيرها من أجل تحديثها وتجديدها ليأخذوا الأوراق منهم بعدها ويبلغونهم أنّه تمّ سحب جنسيتهم ويمهلونهم بعض الوقت  ليوفروا جنسية بديلة أو يتم  اعتقالهم  للإقامة غير الشرعية .

وهو ما حصل على سبيل الذكر مع المواطن الإماراتي عبيد علي الكعبي أحد شيوخ ووجهاء قبيلة بني كعب الممتدة بين الإمارات وسلطنة عمان والذي أفاد باعتقاله من قبل جهاز أمن الدولة واختفائه قسريا ليفرج عنه فيما بعد ولتسحب منه تعسفيا جنسيته الإماراتية وشمل إسقاط الجنسية زوجته وأطفاله بزعم خطورته على أمن الدولة وسلامتها دون محاكمة ودون دليل على ذلك .  

وهو ما حصل كذلك الذكر مع أبناء الشيخ محمد عبد الرزاق محمد الصديق المولود بالشارقة  والمعتقل حاليا في سجن الرزين على خلفية حكم بالسجن لمدة 10 سنوات صدر بحقّه فيإطار القضية المعروفة ” الإمارات 94 ”  وهم كل من أسماء وعمر ودعاء طلب منهم  موظف بإدارة الجنسية بإمارات الشارقة الحضور إلى الإدارة وإحضار : جواز السفر – خلاصة القيد– بطاقة الهوية – رخصة القيادة – البطاقة الصحيّة  وأنّ الغرض من ذلك هو تحديث البيانات  والتحقيق  ليأخذ منهم الوثائق وليخطرهم شفاهيا بعدها بتجريدهم من جنسيتهم وزعم وجود مرسوم  يقضي بذلك دون تمكينهم من الإطلاع على المرسوم .       

  

وتستند سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة في ذلك إلي :

  •     المادة 8 من دستور الإمارات العربية المتحدة التي تنص على أن : ” يكون لمواطني الإتحاد جنسية واحدة يحددها القانون ويتمتعون في الخارج بحماية حكومة الإتحاد وفقا للأصول الدولية المرعية ” غير أنّ الدستور يحدّ من هذا الحق بالتنصيص على جواز قيام السلطات بسحب الجنسية الإماراتية من الشخص في ” ظل ظروف استثنائية يحدّدها القانون “. 
  • المادة 114 من الدستور ” لا يصدر مرسوم إلاّ إذا أقرّه مجلس الوزراء وصدق عليه رئيس الإتحاد أو المجلس الأعلى كل حسب اختصاصه وتنشر المراسيم بعد توقيعها من رئيس الإتحاد في الجريدة الرسمية “. 
  •  قانون الجنسية وجوازات السفر المرقم بالقانون عدد 17 والصادر سنة 1972 : – المادة 15 تخص إسقاط الجنسية – المادة 16 تعني سحب الجنسية وتخص المتجنسين وجاء في فقرته 4 أنه إذا سحبت الجنسية عن شخص جاز سحبها بالتبعية عن زوجته وأولاده القصر . – وحددت المادة 20 الشكل القانوني لقرار سحب الجنسية ” تمنح الجنسية بمرسوم بناء على عرض وزير الداخلية وموافقة مجلس الوزراء كما يتم إسقاط الجنسية وسحبها بالإجراء المتقدم “.
  •   كما تنص المادتان 121 من قانون العقوبات و42 من مرسوم مكافحة جرائم تقنية المعلومات للسلطات ترحيل الأجانب الذين يرتكبون جرائم في الإمارات العربية المتحدة ولكنها لا تنصان على توضيح الأساس القانوني الذي يبيح للسلطات إتخاذ إجراء مشابه بحق مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة .

 

وهو ما يجعل قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة غير متماشية مع المعايير الدولية ذات الصلة بالحرمان من الجنسية.

 

قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة غير متلائمة مع المعايير الدولية ذات الصلة بالحرمان من الجنسية

ركذ المركز الدولي على تعديد النصوص والمواثيق الدولية التي ترى في التمتع بالجنسية حقا من الحقوق الأساسية للإنسان و انتهاك هذا الحق من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان وقد ورد التنصيص على حماية هذا الحق في عدة مواثيق وصكوك دولية منها:

– المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :

  1- “لكل فرد حق التمتع بجنسية ما” .

 2 – “لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفا أو إنكار حقّه في تغييرها “.

–  اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري : 

– المادة 5 تتعهد الدول بضمان الحق في الجنسية دون تمييز .

–  اتفاقية لاهاي المبرمة في 12-04-1930 في شأن مسائل الجنسية وتناولت الحق في الجنسية والقضاء على كل حالات انعدام الجنسية .

– المادة 8 من الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل التي نصت على أن تتعهد الدول باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته.

–  المادة 19 من إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام .     

–  المادة 29 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان وتنص الفقرة الأولى على أنّ لكل شخص الحق في التمتع بجنسية ولا يجوز إسقاطها عن أي شخص بشكل تعسفي أو غير قانوني

–  الاتفاقية الدولية المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية 1954

–  الاتفاقية الدولية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية 1961 

وبمطالعة المعايير الدولية المقررة بالمواثيق الدولية المذكورة سلفا نجد أنّ القوانين الإماراتية لم تتضمن صراحة الحظر التعسفي للحرمان من الجنسية كما لم تضمّن قوانينها ضمانات تحول دون وقوع حالات انعدام الجنسية كما لا نجد اهتماما بتقييم عواقب الحرمان من الجنسية قبل اتخاذ القرار والنظر في إمكانية فرض تدابير بديلة فحسب القانون الدولي الحرمان من الجنسية الذي لا يخدم غرضا شرعيا أو الذي لا يستوفي شرط التناسب هو إجراء تعسفي وجب حظره .

كما لا توفر القوانين الإماراتية الحماية اللازمة لعديمي الجنسية طبقا للتوجيهات الدولية ذات الصلة والواردة ضمن اتفاقية عام 1954 وعام 1961 علما أنّ الإمارات لم تنضم للاتفاقية المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية 1954 والاتفاقية الدولية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية 1961 .

كما انتهكت القوانين الإماراتية ، التي قضت بتجريد الأطفال من الجنسية بالتبعية عملا بأحكام المادة 16 من قانون الجنسية والتي جاء في فقرتها 4 أنه إذا سحبت الجنسية عن شخص جاز سحبها بالتبعية عن زوجته وأولاده القصر ، المادة 8 من الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل التي نصت على أن تتعهد الدول باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته كما نصّت على أن تضمن الدول ما يكفل إعمال حق الطفل في اكتساب الجنسية وإتاحة إمكانية الحصول على جنسية لجميع الأطفال الذين يولدون في أقاليمها والذين سيكونون لولا ذلك عديمي الجنسية وهو ما أكّد عليه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 19ديسمبر 2013  تحت عدد A/HRC/25/28  .

انعدام الضمانات و الإجراءات 

لم تتح سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة للمسحوب جنسيتهم الحق في  الاطلاع على نسخة من المرسوم الرئاسي

و من المعلوم أنّ الحرمان من الجنسية كما منحها تتم وطبقا للمادة 20 من قانون الجنسية بمرسوم يصدر عن رئيس الإتحاد بناء على عرض وزير الداخلية وموافقة مجلس الوزراء وتنشر المراسيم بعد توقيعها من قبل رئيس الاتحاد في الجريدة الرسمية وفقا لأحكام المادة 114 من الدستور الإماراتي .

غير أن سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة تمنع عن النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأزواجهم وأطفالهم المسحوب منهم الجنسية الحق في نسخة من المرسوم الذي قضى بتجريدهم من الجنسية كما لا تبادر سلطات الإمارات إلى نشر المراسيم المذكورة بالجريدة الرسمية عملا بأحكام المادة 114 من الدستور الإماراتي بل تكتفي بإخطارهم شفاهيا بصدور مرسوم يسحب منهم الجنسية ويسقط عنهم المواطنة الإماراتية دون الإطلاع عليه .

وتذكر أسماء بنت السجين السياسي محمد عبد الرزاق محمد الصديق والتي جردت من جنسيتها الإماراتية وأخذت منها جميع وثائقها التعريفية أنّها طلبت من موظف إدارة الجنسية بالشارقة تمكينها من نسخة من المرسوم أو الإطلاع عليه ردّ عليها بأنّه لا يمكنه ذلك وبأنّه جهة منفذة وعبد مأمور .

كما أفادت أسماء بنت محمد عبد الرازق محمد الصديق تحايل موظف إدارة الجنسية عليها وعلى شقيقيها عمر ودعاء بأخذ وثائقهم بدعوى تحديث بياناتها لتفتك منهم نهائيا وليغادروا بعدها إدارة الجنسية دون وثائق ودون مواطنة إماراتية وهو ما حوّلهم إلى عديمي الجنسية.

وحينما توجه المقررين الأمميين الخاصين بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير وبأوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان بطلب إيضاحات بتاريخ 20 أفريل 2016 من سلطات الإمارات حول حرمان أبناء الصديق من الجنسية ردّت سلطات الإمارات بوجود مرسوم يقضي بذلك وبأنّ والدهم اكتسب المواطنة الإماراتية بالتجنيس وهو ما يسمح بسحب الجنسية بالتبعية من أبنائه وهو ما وجد فيه المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان مغالطة خاصة وأنّ الشيخ محمد عبد الرزاق الصديق ولد بالشارقة واكتسب الجنسية بقوّة القانون ولا يملك غيرها كما أنّ أبناءه العشرة ولدوا هم كذلك بالإمارات ولا يعرفون دولة غيرها وانتقت سلطات الإمارات ثلاثة من الأبناء وهم أسماء ودعاء وعمر لنشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي مساندة لوالدهم الناشط السياسي المعتقل .

 

حرمان ضحايا السحب التعسفي للجنسية من الحق في التظلم الفعلي

ورد ضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان والحرمان التعسفي من الجنسية بتاريخ 19ديسمبر 2013  تحت عدد A/HRC/25/28  وجوب خضوع القرارات المتعلّقة بالجنسية لمراجعة قضائية فعالة وفي سياق فقدان الجنسية أو الحرمان منها يعتبر الشخص من مواطني الدولة المعنية خلال الفترة الكاملة لإجراءات الاستئناف .

كما على الدول ضمان حق اللجوء للمتضرر المسحوب منه الجنسية إلى القضاء والتظلم قضائيا من انتهاك حقه في الجنسية وهو ما أكّدت عليه المادة 2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي أكدت على الدول بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية
وبأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعى انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني وبأن تنمى إمكانيات التظلم القضائي .

كما أكدت المادة 19 من إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام على ضمان الدول حق اللجوء إلى القضاء وأنّ حرمان أي مواطن من أن يتظلم قضائيا من انتهاك أكثر حقوقه الإنسانية أهمية المتمثل في حرمانه من الجنسية إنما هو أمر يتعارض كل التعارض مع حقه في اللجوء إلى القضاء .     

غير أنّ سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة لم تصادق ولم تنضم حتى هذا التاريخ إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على الرغم من وعدها حين الاستعراض الدوري الشامل سنة 2013 بدراسة ذلك  كما صنّفت سلطات دولة الإمارات المراسيم التي ترسم بسحب الجنسية من ضمن الأعمال السياسية والسيادية التي لا تقبل الطعن قضائيا و لا تطالها الرقابة القضائية في مخالفة للمعايير الدولية ذات الصلة .

ولقد سبق للدنمارك أن عبرت عن قلقها إزاء حرمان الناشطين السياسيين من جنسيتهم حين الاستعراض الدوري الشامل للإمارات العربية المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 21 مارس 2013. 

المركز الدولي للعدالة و حقوق الإنسان 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى