المشاركة السياسية في الإمارات بين التنظير الغامض والواقع السيء

نشرت صحيفة الإمارات اليوم الرسمية، يوم (الأحد 26 فبراير/شباط) تفاصيل ندوة عُقدت في جامعة عجمان، عن مشروع المشاركة السياسية في الدولة، وتحدث فيها وزيرة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي نورة بنت محمد الكعبي، ومدير جامعة عجمان الدكتور كريم الصغير.

نشرت صحيفة الإمارات اليوم الرسمية، يوم (الأحد 26 فبراير/شباط) تفاصيل ندوة عُقدت في جامعة عجمان، عن مشروع المشاركة السياسية في الدولة، وتحدث فيها وزيرة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي نورة بنت محمد الكعبي، ومدير جامعة عجمان الدكتور كريم الصغير.
والحديث عن هذا الموضوع يفترض أن يتحدث أستاذ في علم السياسية أو أحد قادة المعارضة السياسيين أو على الأقل ناشط سياسي، كمعقب لما يقوله المسؤول الحكومي-يحدث ذلك في أقل دول العالم ديمقراطية وأيماناً بالبحث العلمي- لكن ذلك لم يحدث فلا وجود لصوت يعترض على السياسة القائمة في ظل مناخ القمع والترهيب المتواصل لجهاز أمن الدولة بما فيها الجامعات التي تحوي نخبة المجتمع الإماراتي من الشباب؛ لكن يحسب للجامعة أن فتحت هذا الموضوع حتى وإن كان بإسلوب التلقين المسؤول الحكومي يحاضر والبقية يستمع، فاندراً إن لم يكن معدوماً نقاش مثل هذه الموضوعات في الإمارات. 
وحسب تقرير الصحيفة فقد قالت الكعبي إن “مشروع المشاركة السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة ليس جديدا وإنما قد نشأ مع منطلقات تأسيس الدولة، (…)المشاركة السياسية ثقافة راسخة وقيمة متأصلة في الموروث الثقافي للدولة التي أولت الشباب أهمية كبرى من خلال تمكينه وفتح المجال أمامه للمشاركة في مسيرة التطور والتنمية في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية”.
وهذا الحديث صحيح جداً، فالمجلس الوطني مع تأسيس الدولة كان نشطاً ويتحدث في كل أمور المواطنين (من أصغر الأمور إلى أعلاها) وكان حاكم الإمارات ينزلون إلى المجالس ويستمعون لشكاوى الناس ويستشيرونهم، فكان المواطن جزءً من صناعة القرار، أما المجلس الوطني اليوم فما هي القضية الوطنية أو الهّم الوطني الذي نجح في تمريره والحفاظ على حقوق المواطنين من الانتهاك كل يوم، هل ناقش التضخم وقضية رفع الدعم عم المشتقات النفطية، وهل تحدث عن ارتفاع فواتير الكهرباء؟ هل هناك إنجاز في كل هذا؟ بالطبع الإجابة ستكون: لا-كبيرة-!

مساند للسلطة لا رقيب عليها
عنونت الكعبي محاضرتها في جامعة عجمان “تطور برنامج التمكين السياسي والمشاركة السياسية”، وأشارت إلى أن خطاب التمكين “لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، في العام 2005 شكل خطة عمل وطنية شاملة تضمنت تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي ليكون سلطة مساندة ومرشدة للسلطة التنفيذية، وأن يكون مجلساً أكبر التصاقاً بقضايا الوطن وهموم المواطنين وتترسخ من خلاله قيم المشاركة ونهج الشورى عبر مسار متدرج منتظم”.
على الأقل لم تقل الكعبي أن دور البرلمان (المجلس الوطني) يأتي كمراقب ومشرِّع (بصفته السلطة التشريعية)، وإلا كانت فضيحة من فضائح الدهر التي تتناقلها الألسن، وبما أن عمل المجلس الوطني يأتي بصفته مسانداً للسلطة التنفيذية فهو جزء من هذه السلطة وحمياً لقراراتها وليس ممثلاً لقضايا الوطن وهموم المواطنين.

أما الحديث عن مسار تدريجي منتظم فغموض هذا المسار ومراحله -غير المعروفة وغير القابلة للنقاش بأوامر من جهاز الأمن- يضع “قيم المشاركة” في قوقعة في مسار تخبط فاقد للتوازن تبعاً لميول جهاز الأمن المُسير لسياسات الدولة.

تراجع المجلس الوطني
تقول الكعبي في محاضراتها إن “التجارب الانتخابية السابقة أفرزت نواباً من الشباب ذوي الأفكار الواعدة والوعي الكامل بخصوصية المجتمع الإماراتي النابعة من قيمه وتراثه (..) انتخابات المجلس الوطني الاتحادي السابقة تعد محطات مهمة في مراحل التطور والتحديث السياسي، كما تعد زيادة نسبة مشاركة المرأة الإماراتية في الانتخابات أحد نتائجها الإيجابية، بالإضافة إلى تغيير في نوعية الأعضاء المنتخبين”.  

وهذا غير صحيح، فرغم النقلة النوعية في انتخابات 2011م إلا أن انتخابات 2015م- الأخيرة مثلت تراجعاً كبيراً من حيث “القوائم الانتخابية”، وأيضاً من حيث الإقبال على “الانتخابات” بالرغم من حملة الدعاية الانتخابية ومشاركة الجيش والشرطة في هذه الانتخابات، وانشئت نظام جديد للانتخاب أسموه “نظام الانتخاب المبكر” وأستمر ثلاثة أيام قبل اليوم الرسمي للانتخاب، مع أن الدولة لا تحتاج هكذا نظام، فلا العدد يفوق خمسين مليون، وليست البلاد ذات مساحة شاسعة يصعب وصول الصناديق واللجان في نفس يوم الاقتراع. بالإضافة إلى أن القانون الإماراتي لم يجزّ هذه ولم يذكرها مطلقاً!

حسب الدستور الإماراتي وحتى اليوم ما يزال 25% من الإماراتيين ينتخبون نصف أعضاء المجلس فيما يتم تعيين البقية من قبل السلطات. و خلال العشر السنوات الماضية خاض المجلس ثلاث دورات انتخابية (انتخابات 2006 – انتخابات 2011م- انتخابات 2015م). ويتكون المجلس من أربعين عضواً  (8) مقاعد لإمارة أبوظبي، (8) مقاعد لإمارة دبي، (6) مقاعد لإمارة الشارقة، (6) مقاعد لإمارة رأس الخيمة، (4) مقاعد لإمارة عجمان، (4) مقاعد لإمارة الفجيرة، (4) مقاعد لإمارة أم القيوين.

بلغة الأرقام سيتبين أن المشاركة السياسية الأخيرة في الإمارات كانت إجحافاً وعبثاً بحق المواطن الإماراتي، علاوة على تأكيد الشباب أنهم ضد السياسات الجارية، فلايسمح إلا بـ224.279 ألف من المواطنين  بالانتخاب فيما جرى استثناء 526 ألف و 537 مواطن ومواطنة من قوائم الهيئات الانتخابية الوطنية.

 وتظهر النتائج أن نسبة الإقبال لا تتجاوز 10 بالمائة. وشهدت الانتخابات الأخيرة شبه انعدام للمصوتين الشباب ويعود ذلك لعدة أسباب رفضهم المشاركة في انتخابات معروف مسبقاً نتائجها ودورها والثاني أن فئة الشباب تعرضت لإقصاء فمن هم (أقل من 40 عاماً) تم إقصاء 74 بالمائة منهم من القوائم الانتخابية، مقارنة من أعمارهم (أكثر من 40 عاماً) التي وصلت إلى 56% في تلك القوائم.

اتهام المواطنين بعدم الفعالية في تعبيرهم عن آرائهم
 تشدد الوزيرة الكعبي على تعزيز وعي المواطنين بالمشاركة السياسية الفاعلة، وتنمية قدراتهم ليكونوا مشاركين فاعلين في بناء خطط واستراتيجيات المستقبل لدولة الإمارات، وتهيئة جميع الظروف اللازمة لإعداد مواطن أكثر مشاركة وإسهاماً في قضايا مجتمعه وأكثر فعالية في التعبير عن رأيه ومتطلباته لتحقيق الاستقرار للمجتمع وتحقيق الازدهار والتطور لأفراده.
من العجيب أن تلقي السلطات الإماراتية بمشكلة غياب رأي وتعبير المواطنين على المواطنين انفسهم وتتهمهم بعدم الفعالية! فيما السبب الرئيس هي حملة القمع التي يقودها جهاز أمن الدولة ضد أي رأي مخالف أو منتقد- مهما كان حجم الانتقاد بما في ذلك الانتقاد المتناهي في الصغر- وراء حالة الصمت لدى المواطنين فجهاز الأمن بشكل شبه يومي يقدم دروساً في مصير المعبرين عن آرائهم، فهناك أكثر من 200 مواطن إماراتي في سجون سرية وحكومية -رسمية- بسبب تعبيرهم عن آرائهم ومطالبتهم في تحقيق استقرار وازدهار المجتمع والدولة. 

فيما قال مدير جامعة عجمان الدكتور كريم الصغير إن “تنمية الوعي السياسي هي ضرورة تحتمها الظروف التي يمر بها عالمنا ويفرضها ذلك الاعتزاز من القيادة الرشيدة، مشددا على أهمية دور مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجامعات لتحمل مسؤوليتها الوطنية والقيام في تعزيز وتنمية الوعي السياسي لطلابها وإعدادهم لخدمة الوطن ومواجهة جميع التحديات التي تحول دون تحقيق التطور والتقدم للمجتمع الإماراتي.

حديث الدكتور “الصغير”، لا غبار عليه، فالدور الذي تضطلع به الجامعات والمنتديات الثقافية مهم جداً في زيادة الوعي السياسي، لكن في بيئة تحترم حق التعبير عن الرأي، أما في بيئة قمعية كالتي تعيشها الدولة منذ 2011م وحتى اليوم فلا يبدو أن السلطة ستسمح بعقد ندوات للوعي السياسي وستطارد كل من يشارك بتغريدة للحديث في نفس الموضوع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى