صندوق الإمارات الأسود على طاولة “حقوق الإنسان”

على عكس الوجه الجميل الذي تحرص الإمارات على إبرازه أمام العالم، فتح مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة “الصندوق الأسود” لانتهاكاتها التي عبر عنها ملف ثقيل حاول وفدها جاهدا إنكاره ونفيه.

على عكس الوجه الجميل الذي تحرص الإمارات على إبرازه أمام العالم، فتح مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة “الصندوق الأسود” لانتهاكاتها التي عبر عنها ملف ثقيل حاول وفدها جاهدا إنكاره ونفيه.

وخلال اجتماع للجنة الاستعراض التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، جرى استعراض ملف انتهاكات الإمارات لحقوق الإنسان، الذي كان أبرز ما ورد فيه الانتهاكات للحقوق السياسية، وتعذيب المعارضين السلميين بشكل ممنهج ومحاكمتهم بتهم الإرهاب.

والملفت أن التقرير الذي عرض أمام اللجنة الأممية -وهو الثالث من نوعه- أكد أن أبو ظبي لم تلتزم بما تعهدت به لتنفيذ نحو مئة توصية وردت في الاستعراض الثاني عام 2013.

وأعرب التقرير عن قلقه من عدم إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان في الإمارات، وعن التمييز ضد المرأة والطفل، كما أشار إلى تقارير عن واقع العمال الأجانب ومكافحة أشكال الرق المعاصر.

الحقوق السياسية

لكن الأخطر هو ما ورد في ما يتصل بالحقوق السياسية والانتهاكات المتصلة بها، حيث يقول التقرير إنه لا يوجد حد أقصى للاحتجاز السابق للمحاكمة، وأن بعض المحتجزين محرومون من الاتصال بأسرهم.

وأشار إلى أن قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2014 ينص على إنزال عقوبة الإعدام بالمدانين بأنشطة تقوض الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، دون تعريف قانوني لهذه التهمة، وإن إعدامات قد نفذت فعليا في الإمارات بين عامي 2014 و2016.

ويقول التقرير إن كثيرا من هؤلاء الأشخاص سيقوا إلى مراكز احتجاز سرية معزولة، الأمر الذي يمثل أحيانا حالات إخفاء قسري، مشيرا إلى وجود معلومات وأدلة عن تعرض كثير منهم للتعذيب وسوء المعاملة.

وأبرزت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في تقريرها قيام الإمارات بإيقاف أشخاص واحتجازهم في مرافق سرية بمعزل عن العالم الخارجي، مما يشكل حالات إخفاء قسري، فضلا عن إجبارهم على التوقيع على اعترافات تحت التعذيب.

وحثت أبو ظبي على احترام حرية الرأي والتعبير، ومنها ما في وسائل التواصل الاجتماعي، ودعت للإفراج الفوري عن الناشطين والحقوقيين وإيقاف استهدافهم، ومن أبرزهم الحقوقي أحمد منصور والناشط أسامة النجار والأكاديمي ناصر غيث والصحفي الأردني تيسير النجار.

أطفال المعارضين

وأعربت عن قلقها على أطفال المدافعين عن حقوق الإنسان المعروفين بـ64، حيث يتعرضون للتمييز في التعليم ووثائق الهوية وحرية التنقل والبقاء على اتصال بآبائهم المحتجزين.

وفي الجلسة نفسها، أكدت منظمات حقوقية -من بينها هيومن رايتس ووتش- أن قوانين محاربة الإرهاب الإماراتية تتضمن نصوصا عامة مكنت السلطات من استعمالها تعسفيا على المواطنين والتضييق على الحريات العامة والخاصة.

وقالت المنظمة إن الإمارات مارست التعذيب والاحتجاز بطرق غير قانونية على أراضيها، وكذلك في اليمن، حيث أفادت تقارير سابقة بوجود سجون سرية إماراتية في عدد من المحافظات اليمنية الجنوبية.

ولعل الوجه الأبرز لهذه الانتهاكات هو ما يجري في سجن الرزين، حيث صدرت عن معتقلين سابقين فيه شهادات لانتهاكات وصفتها تقارير دولية “بالبشعة”.

سجن الرزين

وعلى هامش الاجتماع الأممي، عرض أربعة معتقلين سابقين: القطري عبد الرحمن الجيدة والبريطاني ديفيد هيغ، إضافة إلى معتقلين آخرين فلسطيني ولبناني؛ شهاداتهم عن أشكال التعذيب التي تعرضوا لها بالكهرباء والانتهاك الجنسي والتعذيب النفسي، إضافة إلى التبريد الشديد والحرمان من النوم والمنع من الزيارة.

ومن بين الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون السياسيون في سجن الرزين وسجون الإمارات، تعريتهم بصورة تامة من أجل الخضوع للتفتيش، فضلا عن حفلات التعذيب التي تشمل الضرب بالكرابيج، ووضع العصا في الدبر، ونزع الأظافر، والكي بالكهرباء، والضرب المبرح.

ومعظم المعتقلين في سجن الرزين صدرت بحقهم أحكام مشددة إثر مطالبتهم بالإصلاح السياسي في الإمارات، والدعوة لانتخاب مجلس وطني كامل الصلاحيات.

وتعتقل الإمارات العشرات من أعضاء جمعية الإصلاح، بعد إدانتهم بالسجن لمدد بين سبع سنوات و15 سنة في محاكمة جماعية لمجموعة من 94 ناشطا إماراتيا، بعد اعتقالهم خلال حملة قمع واسعة النطاق ضد حرية التعبير وتكوين الجمعيات.

قرقاش ينفي

من جهته، دافع وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش عن سجل بلاده في مجال حقوق الإنسان، وأعلن أن بلاده ستقوم على الأرجح خلال العام الجاري بإنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، وفقا لمبادئ باريس.

الوزير قرقاش تحدث عن كل ما ورد في التقرير دون التطرق لأهم الانتهاكات المتمثلة في التعذيب والإخفاء القسري، حيث استعرض ما اعتبره تمكينا للمرأة والشباب ونشر التسامح، لافتا إلى وجود مئتي جنسية تعيش في الإمارات، وأنها تحتضن 83 دارا للعبادة لغير المسلمين بهدف السماح لهم بممارسة شعائرهم.

ولعل أبرز ما تكشف عنه الجولة الحالية من تسليط الأمم المتحدة الضوء على الانتهاكات الإماراتية لحقوق الإنسان داخل البلاد وخارجها، هو أنها تستمر في الكشف عن الوجه الحقيقي للدولة الخليجية التي تعلن عن وزارة للسعادة ومواثيق للتسامح، في حين تخفي انتهاكات لم تكتف أبو ظبي بارتكابها داخل حدودها، بل باتت عابرة لحدودها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى