في إمارات السعادة.. التغريد طريقك إلى الاعتقال
من المعروف عن الأنظمة العربية قمعها لحرية التعبير منذ الأزل، وعنجهيتها في التعامل مع الرأي العام والصحافة والمعارضة بوجهٍ خاص، وتعتبر أي معارضٍ لها عدواً يجب مكافحته وإخماده.
من المعروف عن الأنظمة العربية قمعها لحرية التعبير منذ الأزل، وعنجهيتها في التعامل مع الرأي العام والصحافة والمعارضة بوجهٍ خاص، وتعتبر أي معارضٍ لها عدواً يجب مكافحته وإخماده.
فنجد التجاوزات الأمنية التي تنتهك حقوق الإنسان وحق التعبير عن الرأي تحديداً، نجدها تملأ الوطن العربي والنماذج كثيرة لا مجال لحصرها، كوْن هذه التجاوزات تأتي بأوامر قمعية من الأنظمة العربية المستبدة تجاه الشعب لو حاول الحراك أو الحديث عن معارضة النظام!.
وأقسى ما وصلت إليه أساليب القمع العربية هي الملاحقة والسجن بسبب تغريدات عبر تويتر أو منشورات فيس بوك، والتي قد لا تكون خاطئة ولا مخالفة للواقع ولا مخلة بالأدب أو خادشة للحياء ولا حتى مسيئة للوطن.
فهناك بالكويت يرقد العنزي والعجمي وسارة الدريس وغيرهم الكثير في السجون بسبب تغريداتهم، مثلاً سارة التي قالت: (مواصفات القائد شجاعة وحنكة ودهاء وتخطيط وسرعة بديهة،، هل لدى حكامنا شيء منها؟!).
وفي المملكة السعودية نجد عبد الله راشد والشيخ الطريفي والعلامة سلمان العودة وعوض القرني وعبد الله المالكي وغيرهم من العلماء والمفكرين، عوقبوا بالسجن لمجرد إبداء رأي في تغريدة.
وليست البحرين أفضل حالاً، فقد اعتُقل الكثيرون ممن عارضوا أو خالفوا رأي الحكومة أو حتى دافعوا عن مظلومين آخرين في السجون وإن كانوا آباءهم أو إخوانهم، كما حدث مع “جعفر الدمستاني” حين دافع بتغريدة عن ظلم أبيه المعتقل “إبراهيم” الذي كان يسعف مصابين في مظاهرات 2011م؟! فلحق أباه بالمعتقل، ثم “نجيب رجب” رئيس مركز حقوق الإنسان بسبب دفاعه عن حقوق معتقلي الرأي، واعتُقل بعد تغريدة قال فيها: (خليفة بن سلمان، ماذا تريد من الدنيا؟ عادة ما يتوسل أمثالك الطاعنون في السن بحسن الختام وأنت مازلت جاثماً ظالماً، متى سترحل؟).
أما في الإمارات دولة التسامح والسعادة، فحدِّث ولا حرج:
فلم يكن القرار الذي أصدره النائب العام الإماراتي حمد سيف الشامسي، القاضي باعتبار “التعاطف مع قطر على مواقع التواصل الاجتماعي جريمة يعاقب عليها القانون”، لم يكن جديداً ولا شاذاً عن سياسة دولة الإمارات في التعاطي مع ملفّ حرية التعبير، فقد أصدرت قبلها مرسوماً بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية التي تشمل مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر وغيرها، وقد خطفت وسجنت السلطات الإماراتية العديد من أبرز العلماء والأكاديميين والناشطين الحقوقيين حتى القضاة والمحامين وبعض المسئولين الحكوميين، وصلت إلى اعتقال أحد أبناء الأسر الحاكمة في الإمارات!
وإن كانت أغلب الأنظمة العربية تَعتَبرُ أنَّ الصحافة عدوٌّ لها، وأنَّ حرية التعبير خطرٌ على وجودها، فإنّ الإمارات شهدت منذ 7 سنوات تقريباً حتى اليوم سلسلة خطوات، تهدفُ إلى محاصرة أيِّ صوتٍ مختلفٍ معارض، ضاربةً بعرض الحائط الصورة التي تحاول رسمها لنفسها عن كوْنِها “واحة الحريات الإعلامية”، و”قبلة السعادة والتسامح”، وهو ما جعل منظمات حقوقية عدة تدقُّ ناقوس الخطر للانتهاكات المتواصلة هناك.
ويبرز العديد من معتقلي الرأي في الإمارات بسبب تغريدة، لا يتّسع المجال لذكر الجميع، أبرزهم:
*”ناصر بن غيث”:
العالم الاقتصادي والأكاديمي الشهير، انتقد بناء معبد هندوسي في دولة مسلمة بتغريدة واحدة، تعليقًا على صورة انتشرت عبر المواقع لمواطن إماراتي يشارك البوذيين طقوسهم، قال فيها: (الظاهر جماعتنا فاهمين التسامح مع الأديان غلط!)، بهذه الكلمات فقط خُطفَ ولم يعدْ!
*”أسامة النجار”:
ناشط حقوقي بارز وهو نجل المعتقل إبراهيم النجار الذي دافع عن والده بتغريدة يقول فيها رداً على سمو الشيخ القاسمي: (نحن يا صاحب السمو، لا نحقد على أوطاننا ولا ننسى ظلم ظُلمناه ولو نسته أمهاتنا، لأبي في أعناق من ظلمه 20 شهرًا من السجن والتضييق!).
هذه الكلمات فقط كانت كفيلة بقتل شبابه وقلبِ حياته رأساً على عقب، فقد خُطفَ ثم حوكمَ ظلماً بالسجن 3 سنوات وغرامة نصف مليون درهم، والأدهى والأمرّ من كل هذا أنه قد أنهى محكوميته العام الماضي 2017م، ولم يتمَّ الإفراج عنه حتى الآن بسبب عنجهية الأمن الإماراتي، بل ولا يعلم أحدٌ مكانه ولا مصيره وكأنه اختفى عن الوجود!!.
*”أحمد منصور”:
تمّ اعتقاله في شهر مارس/آذار 2017 بتهمٍ مرتبطة بحرية التعبير، وهي (استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت على نشر معلومات مغلوطة وإشاعات وأخبار كاذبة والترويج لأفكار مغرضة من شأنها إثارة الفتنة والطائفية والكراهية).
وقالت نيابة الجرائم الإلكترونية إنَّ ما ينشره “منصور” من شأنه (الإضرار بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والإضرار بسُمعة الدولة ومكانتها وتحريض الغير على عدم الانقياد لقوانينها).
“أحمد منصور” الذي حاز عدة جوائز محلية ودولية مرموقة آخرها كان جائزة (مارتان إينال) عام 2015م في جنيف، وهي جائزة مخصصة للناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، تحمل اسم الأمين العام السابق لمنظمة العفو الدولية، وتُعطَى لأشخاصٍ يُبرهنون التزامًا كبيرًا تجاه حقوق الإنسان ويواجهون مخاطرَ شخصية جدية من أجل ذلك، ولكنَّ السلطات الإماراتية (التي تصادر جوازه منذ سنوات) رفضت السماح له بالسفر واستلام جائزته، ما أدى إلى موجة كبيرة من التنديد والاستياء في دول العالم على مستوى منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عنها والناشطين.
*”هادف العويس”:
المحامي الأكاديمي المعروف، الذي قال: (الاستيلاء على الحكم في دولة قوية مثل الإمارات مستحيل ومن الاحترام ألَّا نُـتَّهمَ بالمستحيل، وبلا ركنٍ مادي ولا معنوي، إنَّ الأحكام الجنائية تُبْنَى على اليقين والجزم، وقد أتَـوْا بشاهدٍ يقول: في تصوري، في تخيلي،….)، اعتُقل بسبب دفاعه عن المظلومين وتغريداته.
*الصحفي الأردني “تيسير النجار”:
ولم يَسْلم الأجانب المقيمون من بطش مكافحة الجرائم الإلكترونية، فها هو الصحفي الأردني “تيسير النجار” بعد إخفائه شهوراً طويلة ظهر في السجون الإماراتية، وحُكمَ عليه بالسجن لمدة 3 سنوات مع غرامة مالية، على أنْ يتمَّ ترحيله بعد انقضاء عقوبته، والتهمة هذه المرة مرتبطة بمنشور على “فيسبوك” زُعمَ أن فيه إساءة لدولة الإمارات، حيث كتب صيفَ 2014م منشوراً انتقد فيه موقف حكومتها إبَّان العدوان الإسرائيلي على غزة، والأسوأ أنَّ المنشور كتبه “النجار” قبل بدء عمله في الإمارات!! ومع ذلك لم يشفع له من الاعتقال والتنكيل في دولة السعادة.
حتى النساء لم يَسْلمْنَ من الانتهاكات الحقيرة التي قام بها الأمن الإماراتي:
*مريضة السرطان “علياء عبد النور”:
مريضة سرطان تدهور حالها إلى أقصى وأقسى درجة في سجون الإمارات، ولا تجدُ رعايةً طبية ولا أي اهتمامٍ بصحتها، وهي التي أُدينَت بتهمة عجيبة، فقد اعتُقِلت لأنها: “تتصفح مواقع إلكترونية وكانت تدعم الثورة السورية وترسل بعض التبرعات لأهل سوريا”؟!
ولا تزال “علياء” في السجن تحت الإهمال الطبي في طريق الموت البطيء، وسط مناشدات محلية ودولية بالإفراج عنها لتلقّي العلاج، ولا حياة لمنْ تُنادي!.
*بنات الشهيد العبدولي:
استُشهدَ والدهم العقيد البطل في الرقة عام 2013م، فقام أبناؤه بنشرِ صور أبيهم على مواقع التواصل الاجتماعي والاحتفاء بذكراه والفخر باستشهاده دفاعاً عن الأمة.
وهنا كانت الكارثة، فكيف لهؤلاء الأبناء أن ينشروا صور والدهم الشهيد ويفخرون به عبر المواقع؟ فالحرية في الإمارات تسمح بكل شيء إلا ما يكون في جانب الحق الطبيعي والإنساني!
وبدأت الحكاية باعتقال “مصعب العبدولي” 25 عاماً (تمّ تسريحه من الجيش الإماراتي بقرارٍ أمني بعد استشهاد والده)، والشقيقتيْن “أمينة” 33 عاماً (تعمل معلمة وهي أم لخمسة أبناء أكبرهم 7سنوات)، ثم “موزة” 18عاماً (اتهمت بالإساءة للدولة بالتغريدات التي كتبتها في عمر 15 عاماً)، هل يتخيلُ عقلٌ أن تُعتقل فتاة بسبب ما كتبته وهي بعُمر 15 عاماً؟؟ واعتُقلوا جميعاً فجر السبت 19 نوفمبر 2015م.
وبعد أكثر من عامٍ في الإخفاء القسري، ظهر الإخوة أبناء الشهيد العبدولي في محاكمة غير عادلة، في المحكمة الاتحادية العليا التي لا تقبل طعنًا ولا استئنافًا، وتمّ الحكم على “مصعب” بالسجن سبع سنوات بتهمة الانضمام لتنظيم إرهابي، فيما حُكم على أمينة بالسجن خمس سنوات وغرامة مالية قيمتها 500 ألف درهم، ومصادرة الأجهزة الإلكترونية وغلق بريدها الإلكتروني، عن تهمة إنشاء وإدارة حسابين إلكترونيين بغرض الترويج لتنظيم إرهابي، في حين تم الإفراج عن وليد أكبر الأبناء، بينما تبقى موزة محتجزة لستة شهور بدون تهمة محددة، قبل الإفراج عنها لاحقًا، وتُعتبر “موزة” أصغر معتقلة إماراتية بل وخليجية في تاريخ السجون!!.
وقائمة النساء اللاتي انتهك الأمن الإماراتي حرماتهم كثيرة، منها شقيقات السويدي لمساومته في عرضه، وبنات الصديق، وزوجة الزعابي، وغيرهنّ ممّن سيخلّد التاريخ وصمة العار في جبين الأمن الإماراتي بسببهنّ.
وهناك آخرون اعتُقلوا بسبب تغريدات تويتر بينهم وليد الشحي وعبد الله الحديدي والهاجري والجابري وغيرهم من الذين اعتقدوا أنفسهم يعيشون في دولة الحريات، فعبّروا بكل براءة عن آرائهم بكتابة بضع كلمات عبر تويتر، إلا أنّ ردّ الفعل كان أقسى مما توقعوا، وانتهت حياتهم الجميلة وقُتلت السعادة في عيونهم خلف برودة القضبان!.