منظمة حقوقية: الإمارات تستعمل سياسة انتقامية ضد عائلات النشطاء ومعتقلي الرأي
نشرت المنظمة الحقوقية “هيومن رايتس ووتش” تقريرا كشفت فيه السياسة الانتقامية التي تتبعها السلطات الإماراتية ضد معتقلي الرأي وعائلاتهم وحتى أقاربهم حيث قام جهاز أمن الدولة باستهداف العشرات من أقارب المعتقلين في الداخل والخارج. وقد اعتبرت المنظمة تلك الممارسات تعسفية وغير مبررة في كل حالة وغير مؤسسة قانونيا.
جاء في التقرير أن أقارب 8 معارضين للدولة من بينهم معارضون انتقلوا إلى الخارج، وآخرون محتجزون يقضون حاليا عقوبات في الإمارات تم استهدافهم بالاضافة الى مواجهتهم بين 2013 و2019 لقيود على الحصول على الوظائف ومتابعة التعليم العالي.
واصفا سياسة الامارات تجاه معتقلي الرأي بأنها تأتي” “في إطار تصميمها على سحق المعارضة”، قال مايكل بَيْج نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش أن السلطات الإماراتية “سمحت لجهاز أمن الدولة باستخدام سلطة لا رقيب عليها تقريبا لمعاقبة عائلات النشطاء، سواء المحتجزون أو المقيمون في الخارج. ينبغي على السلطات وقف هذه الهجمات الانتقامية التي ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي”.
ووثقت المنظمة سحب الحكومة الإماراتية لجنسية 19 من أقارب معارضيْن اثنين، كما أنه هناك ثلاثون شخصا -على الأقل- من أقارب ستة معارضين ممنوعون حاليا من السفر، و22 من أقارب ثلاثة معارضين غير مسموح لهم بتجديد وثائق هويتهم، بحسب التقرير. واكدت المنظمة أن لا أحد من الأقارب المستهدفين من تمكن من الاطلاع على وثيقة رسمية حكومية أو قضائية تجيز هذه التدابير، ولم يتمكنوا من الاستئناف.
وقال بيج “شرطة الإمارات لا تكتفي بمعاقبة المعارضين السلميين، بل تضايق وتسيء حتى لأولئك الذين يتواصلون معهم، مع عدم تسامح مع الانتقاد يصل إلى درجة مخزية.
قال معارض يعيش في الخارج: “كلما حاولت الأسرة معرفة سبب حرمان الحكومة لها من الحصول على خدمة أو تعليق طلب مقدم إلى أجل غير مسمى، يُرَدّ عليها، شفهيا فقط، أن العائق هو على مستوى أمن الدولة”.
وقال قريب يعيش في الخارج لمعارض مُحتجَز “قاطعنا أقاربنا وأصدقاءنا لأن أي شخص يتردد على منزلنا سيُستدعى وستُطرح عليه أسئلة تفصيلية عنا وعن حياتنا”. وقال آخر “لقد أصبحنا منبوذين من المجتمع”.
وأضاف أن مسؤولي أمن الدولة يستجوبون بانتظام أقارب جميع المعارضين الثمانية المقيمين في الإمارات ويراقبونهم ويهددونهم. قال إن المسؤولين ضايقوا أقارب تلك العائلات وأصدقاءها ومعارفها لمجرد بقائهم على تواصل معها.
وبحسب “رايتس ووتش” فان لجهاز الامن في دولة الامارات سلطة قوية حيث يجوز له اتخاذ أي إجراء داخل الدولة أو خارجها لحماية أمن الدولة في حدود القانون والتشريعات الأخرى كما يسمح القانون للجهاز بتقويض أي نشاط سياسي أو منظَّم من قبل فرد أو جمعية، والذي من شأنه تهديد سلامة الدولة، أو أمنها، أو نظام الحكم فيها، أو وحدتها الوطنية، أو الإضرار بالاقتصاد أو إضعاف الدولة وإثارة العداء ضدها أو تقويض الثقة فيها. يجوز لمسؤولي أمن الدولة استخدام القوة بالقدر اللازم لأداء واجباتهم. كما يتمتع جهاز أمن الدولة أيضا بصلاحية وضع مكاتب لأمن الدولة في الوزارات الاتحادية للدولة، ومؤسساتها العامة، وشركاتها ومنظماتها شبه الحكومية، وسفارات وقنصليات البلاد. يتمتع بسلطة رفض أو وقف أو الموافقة على الوصول إلى الحقوق الرئيسية والخدمات الحكومية. لا يمكن للمواطنين أو المقيمين في دولة الإمارات الطعن في قرار اتُخذ لأسباب أمنية.
وقد أكد ناشط مقيم في الخارج على توغل جهاز الامن في الدولة قائلا “منذ الألفية الجديدة، سيطر أمن الدولة تدريجيا على كل شيء في البلاد. كل شيء تحت سيطرته، من الحصول على تراخيص تجارية إلى تجديد وثائق الهوية”. كما يلزم الحصول على تصاريح أمنية لنيل المنح الجامعية والوظائف واستضافة الفعاليات.
وتابعت المنظمة بالقول أن جهاز أمن الدولة استخدم سلطاته الواسعة لإخضاع عائلات المعارضين للمضايقة التعسفية والعشوائية، منتهكا حقوقهم الأساسية في المواطنة، والعمل، والتعليم، وحرية التنقل والخصوصية.
وعن المعارضين وأقاربهم المنفيين، قال التقرير أن أمن الدولة أخضع اقارب المعتقلين والمعارضين لعقوبات تعسفية وخارج نطاق القضاء، فضلا عن تهديدات ومضايقات في انتقام واضح بسبب أنشطة أقاربهم. وقعت الحوادث التي وثّقتها هيومن رايتس ووتش بين 2013 و2019.
ويعتبر حظر السفر أكثر وسيلة استُخدِمت لاستهداف أقارب المعارضين حسب شهادات الذين أجرت معهم “هيومن رايتس ووتش” مقابلات. حيث تحدثوا إنهم مُنعوا، ومُنِع قريب واحد على الأقل من كل أسرة، من السفر لفترات طويلة بين 2011 و2019، بالإضافة إلى منع 30 شخصا على الأقل من أقارب ستة ممن قابلناهم من السفر حاليا. من ضمن هؤلاء أمهات فوق 90 عاما، وأطفال دون 18 عاما، وكذلك أقارب وأنسباء بالزواج.
وقال ناشط يعيش في الخارج: “والدتي ممنوعة الآن من السفر منذ عامين بسببي”. قال قريب لمعارض محتجز مُنِع أشقاؤه في الإمارات من السفر إليه في 2015: “لم أرَ أشقائي منذ 4 سنوات”.
في معظم الحالات الموثّقة، لم يُبلَغ أفراد الأسرة بحظر السفر. لكنهم اكتشفوا ذلك في المطار أثناء استعدادهم لمغادرة البلاد. أُبلِغ الأقارب بحظر السفر شفهيا فقط، وعندما سألوا بعض مسؤولي المطار عمن أصدر الأمر، قيل لهم ببساطة إنه جاء من جهاز أمن الدولة.
تحدثت المنظمة في تقريرها كذلك عن سحب الجنسية وهي من الادوات التي يستعملها جاهز أمن الدولة لمعاقبة النشطاء ومنتقدي الحكومة. إذا سحبت الحكومة الجنسية من رجل، يسمح قانون الجنسية الإماراتي بسحب جنسية زوجته وأطفاله تبعا لذلك.وقد وثقت المنظمة حالتين سحبت السلطات الإماراتية تعسفا فيها جنسية 19 من أفراد عائلة اثنين من المعارضين، مما تركهم عديمي الجنسية وحرمهم من حقوقهم الأساسية. مع أن القانون يفرض نشر مرسوم سحب الجنسية في الجريدة الرسمية، لم تتمكن أي عائلة من الحصول على نسخة من المرسوم أو العثور عليه في الجريدة الرسمية، مما يمنعهم من الطعن في القرار.
وحُرِمت عائلات أربعة معارضين، في حالات منفصلة، أيضا من الحصول الحقوق والخدمات الأساسية، رغم أن السلطات لم تسحب جنسيتهم، لأنهم لم يتمكنوا من تجديد جوازات سفرهم وبطاقات هويتهم، وهي عملية تتطلب موافقة أمن الدولة. في الحالات الأربع، قال الأشخاص الذين قابلناهم إن الرفض جاء من جهاز أمن الدولة، وفق تقرير المنظمة.
وقال قريب يعيش في الخارج: “أرادت(السلطات) منع أقاربي من الدراسة، ومن الحصول على رخصة القيادة والرعاية الصحية”.
“لم يتمكنوا (أفراد عائلتي) من تجديد جوازات سفرهم أو هوياتهم، أي أنهم لم يتمكنوا من إنجاز أي شيء إداريا. قال ناشط في الخارج: “كما لو كنتَ مشلولا”.
لا يزال اثنان وعشرون من أقارب ثلاثة معارضين آخرين غير قادرين على تجديد وثائق الهوية، مما يتركهم عالقين فعليا في البلاد، يكافحون من أجل الحصول على الحقوق والخدمات الأساسية.
من الطرق الاخرى لاستهداف المعارضين وعائلاتهم هي فرض قيود للحصول على وظيفة في الإمارات، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، وسواء كان الشخص مواطنا أو مقيما، أو للحصول على رخصة تجارية.
وقال قريب أحد المعارضين المحتجزين: “أقاربي غير قادرين على العمل. يحتاجون إلى تصاريح أمنية في أي وظيفة يتقدمون إليها، ولن يحصلوا عليها أبدا.”
وأضاف العديد من الأشخاص أن عملية التخليص الأمني للخدمة العامة صارمة للغاية، وأن العديد من أفراد أسرهم قبلوا وظائف أقل أجرا في القطاع الخاص لإعالة أنفسهم وأسرهم.
وقال ثلاثة أشخاص إنه رغم تمكُّن أفراد أسرهم في الإمارات من الحصول على وظائف في القطاع الخاص، إلا أن الشركات تطردهم بعد فترة وجيزة من بدء العمل، قائلة إن ذلك بسبب جهاز أمن الدولة.
ناشط يعيش في الخارج يقول للمنظمة: “كل أبناء وبنات إخوتي الذين تخرجوا من الجامعات مؤخرا يجدون صعوبة في الحصول على وظائف بسبب التصاريح الأمنية. حتى وظائف القطاع الخاص تتطلب أحيانا تصريحا أمنيا. أحيانا، بعد أن يكتشفوا [أمن الدولة] توظيفهم في القطاع الخاص، يعملون لطردهم”.
من جانب آخر،عملت السلطات الاماراتية على على توسيع قدراتها في مجال المراقبة والتجسس وذلك للتمكن من تتبع النشطاء حيث اقالت المنظمة أنه خلال السنوات القليلة الماضية استثمرت الإمارات بشكل كبير في تطوير قدراتها في مجال المراقبة الإلكترونية التي تستخدمها لاستهداف نشطاء حقوقيين بارزين وصحفيين أجانب، بل وقادة العالم.
ويعتقد الذين ادلوا بشهاداتهم ل”هيومن رايتس” أن قوات أمن الدولة تراقبهم وأفراد أسرهم بنشاط. وقالوا إن المراقبة والاستجواب المتكرر للعديد منهم كانت لهما آثار نفسية خطيرة على أقاربهم، مما أدى بالعائلات إلى تقييد تواصلها مع الأقارب خارج البلاد بشدة.وقد ذكر ناشط يعيش في الخارج للمنظمة : “نعيش حياتنا مفترضين أن كل شيء نقوم به على الإطلاق يتم التدقيق فيه، وأن أجهزتنا مُراقبة.
وبحسب المقابلات الواردة في التقرير، فان الاستجواب يقترن غالبا بتهديدات. وقال أحد الأقارب الذي لا يزال في الإمارات: “من حين لآخر، يتصلون بأبنائي ويأمرونهم بعدم كتابة أي شيء، وعدم التحدث على شبكات التواصل الاجتماعي. كلّما علموا أن منظمات في الخارج تسلط الضوء على معاناتنا، يهددوننا بالاعتقال وسحب الجنسية والطرد من العمل، وهو تقييد شامل لمعيشتنا وقدرتنا على العيش الكريم”.
من المشاكل الاخرى التي يواجهها اقارب واهالي المحتجزين، هو سياسة الاقصاء الجماعي التي وردت في التقرير والتي أكدوا أنهم عانوا منها كثيرا حيث قال قريب لناشط محتجز يعيش الآن في الخارج: “عزلَنا أبناءُ عمومتنا، لأن كل من يتردد على منزلنا سيُستدعى ويُستجوَب عنّا وعن حياتنا. نحن مستبعدون تماما من المجتمع. توقّف الناس عن التعامل معنا خوفا على رفاههم”.
هذه السياسة الاقصائية الانتقامية جعلت من أقارب المعتقلين يعيشون كالغرباء وقد أكد هذا أحد المتحدثين للمنظمة حيث قال: “المجتمع يخاف من الاختلاط بنا. حتى أن الناس يرفضون الزواج من عائلتنا. قوى الأمن تتدخل بالفعل وتقول لهم ’إذا تزوجت من هذه العائلة، ستواجه المشاكل‘”.
كشف هذا التقرير الذي نشرته “هيومن رايتس ووتش” معاناة حقيقية يعيش فصولها كل من له علاقة بمعتقلي الرأي في دولة الإمارات حتى اولائك الذين غادروا البلاد لم يسلموا من الملاحقات وهو مايعكس السياسة الانتقامية المتواصلة ضد كل من مارس النشاط الحقوقي والسياسي في البلاد وهاهي تطال أهاليهم وأقاربهم في مؤشر واضح على استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات.