تزامنا مع افتتاح مهرجان “هاي” بالإمارات، رسالة مفتوحة تدعوها لاحترام حرية التعبير ووقف سياسة القمع
يفتتح اليوم 25 فبراير مهرجان “هاي ابو ظبي العالمي” الذي يقام بمنارة السعديات 4 أيام بمشاركة 99 كاتباً ومفكراً وفناناً عالمياً ونخبة من الحاصلين على جوائز “نوبل”و”البوكر” في الرواية الهادف إلى إثراء الحياة الفكرية والتواصل الحضاري في المجتمع ودعم العلاقات بين الدول والشعوب.
وتزامنا مع هذا المهرجان، توجهت أكثر من أربعين منظمة وشخصية حقوقية ،من بينهم العالم والمؤرخ والناشط الأمريكي فراي نعوم تشومسكي و منظمة العفو الدولية و نادي القلم الدولي والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وغيرهم، برسالة مفتوحة الى دولة الإمارات إلى ضرورة ضمان حرية التعبير حقيقة كما تروج له من خلال هذا المهرجان كما دعتها الى الكف عن إسكات الأصوات المعارضة.
وجاء في الرسالة: بالتزامن مع افتتاح مهرجان هاي أبو ظبي في الفترة بين 25-28 فبراير 2020 في الإمارات العربية المتحدة، ندعو نحن الموقعون أدناه السلطات الإماراتية لإظهار احترامها للحق في حرية التعبير، من خلال إطلاق سراح جميع المدافعين عن حقوق الإنسان المقيدة حريتهم بسبب التعبير عن آرائهم بسلمية عبر الإنترنت، بمن فيهم الأكاديميين والكتاب والشعراء والمحامين. وندعم جهود المشاركين في المهرجان من أجل إعلاء أصواتهم دفاعًا عن الموصدة أفواههم في دولة الإمارات. كما ندعو سلطات الإمارات للامتثال للمعايير الدولية لحماية حقوق السجناء، بما في ذلك السماح لسجناء الرأي بتلقي الكتب ومواد القراءة.
ففيما تروج وزارة التسامح في الإمارات لمهرجان هاي باعتباره منصة لحرية التعبير، يقبع العشرات من مواطني الإمارات والمقيمين فيها خلف القضبان فقط بسبب تعبيرهم الحر عن آرائهم، ويواجه المدافعون عن حقوق الإنسان التعذيب وسوء المعاملة في السجون، حيث يُحتجزوا غالبًا في عزلة، ويلجئوا للإضراب عن الطعام في محاولة للفت الانتباه إلى سجنهم الظالم وإساءة معاملتهم.
أحمد منصور، أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين في الإمارات، يقضي حاليًا عقوبة السجن لمدة 10 سنوات بعد إدانته بتهمة زائفة تُدعى “إهانة مكانة وهيبة دولة الإمارات العربية المتحدة ورموزها بما في ذلك قادتها”، بينما يعاقب منصور في الحقيقة على نشاطه السلمي في مجال حقوق الإنسان، والتعبير الحر عن الرأي بما في ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
منذ سنوات ثلاث، يقبع منصور في الحبس الانفرادي في جناح العزلة بسجن الصدر بأبوظبي في ظروف قاسية، حيث لا يتوفر له سرير ولا يصرح له بدخول الكتب. ومنذ اعتقاله في مارس 2017، لم يُسمح له بمغادرة زنزانته الصغيرة سوى مرات قليلة لمقابلة ذويه خلال الزيارة، كما لم يسُمح له بالخروج لساحة التريض سوى مرة واحدة فقط، في انتهاك واضح للحظر المطلق على التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة بموجب القانون الدولي. واحتجاجًا على ذلك، قرر منصور الإضراب عن الطعام مرتين، أحدهما لمدة شهر في مارس 2019، مما أضعف صحته التي تدهورت أكثر بسبب نقص الرعاية الطبية في السجن. وعليه نحث نحن الموقعون أدناه سلطات الإمارات على الالتزام بالقانون الدولي، وتوفير شروط حبس إنسانية لمنصور لحين إطلاق سراحه.
منصور مهندس وشاعر، وأب لأربعة أطفال، وهو أيضا عضو المجالس الاستشارية لمركز الخليج لحقوق الإنسان ولقسم الشرق الأوسط في هيومان رايتس ووتش. وفي أكتوبر 2015، حصل منصور على جائزة مارتن إينالز المرموقة للمدافعين عن حقوق الإنسان كتقدير دولي رفيع لأنشطته في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
في مايو2019 أعرب سبعة خبراء مستقلين بالأمم المتحدة عن قلقهم الشديد على صحة وحياة منصور. وفي أوائل سبتمبر 2019، تعرض منصور مجددًا للتعذيب على أيدي حراس السجن، فبدأ إضرابًا جديدًا عن الطعام. وبحسب أخر تقرير لمركز الخليج في يناير 2020 لا يزال منصور مضربًا عن الطعام الصلب، وتدهورت صحته وأصبح غير قادر على المشي. وفي أكتوبر 2019، ناشدت أكثر من 140 منظمة غير حكومية من جميع أنحاء العالم السلطات الإماراتية الإفراج عن أحمد منصور، الذي قضى عيد ميلاده الخمسين في عزلة وإضراب عن الطعام.
وبحسب خبير اللياقة البولندي أرتور ليجسكا، والذي كان محتجزاً في جناح العزلة نفسه المحتجز فيه حاليًا أحمد منصور، تشبه ظروف الحبس في هذا السجن “سجون العصور الوسطى”. وكان ليجسكا قد كتب كتاباً بعد إطلاق سراحه في مايو 2019 روى فيه ظروف السجن في جناح العزلة التابع للصدر، حيث يحتُجز السجناء بدون مياه جارية لعدة أشهر وفي ظروف غير صحية، كما يتعرض بعضهم للتعذيب وسوء المعاملة والاعتداء الجنسي. كما أسهم ليجسكا في نشر الأخبار عن إضراب منصور عن الطعام في مارس 2019.
وبالمثل يتعرض سجناء آخرون للتعذيب في سجون الإمارات، مثل محامي حقوق الإنسان الدكتور محمد الركن، المحتجز منذ يوليو 2012 لمجرد ممارسته السلمية لحقه في حرية التعبير وتكوين الجمعيات، والمعاقب بالسجن لمدة 10 سنوات للتوقيع – مع 132 شخصًا آخر – على عريضة على الإنترنت تطالب بالإصلاح السياسي. وقد تمت إدانة الركن وحُكم عليه في أعقاب محاكمة جماعية غير عادلة شملت 94 شخصًا (المعروفة باسم “الإمارات 94”) بينهم محامين وقضاة ونشطاء وطلاب، كالمحامي الحقوقي الدكتور محمد المنصوري والذي اعتقل أيضا في يوليو 2012.
لم تسمح السلطات للمنصوري بالاتصال بأسرته لأكثر من عام، وتم احتجازه مع الركن في سجن الرزين، وهو سجن شديد الحراسة في صحراء أبو ظبي يستخدم لاحتجاز النشطاء ومنتقدي الحكومة والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث واجها تدابير تأديبية تعسفية وغير قانونية، مثل الحبس الانفرادي والحرمان من الزيارات العائلية وعمليات التفتيش الجسدية.
وكانا الدكتور الركن والدكتور المنصوري رئيسين لجمعية الحقوقيين في الإمارات قبل حلها التعسفي من قبل السلطات الإماراتية في 2011. كما كان الركن عضوًا في الرابطة الدولية للمحامين ونقابة المحامين الدولية، وقد ألف العديد من الكتب حول حقوق الإنسان والقانون الدستوري ومكافحة الإرهاب، وكرس حياته المهنية لتقديم المساعدة القانونية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات، وحصل في عام 2017 على جائزة لودوفيك تراريو الدولية لحقوق الإنسان. وفي نوفمبر 2019، دعت أكثر من عشرين منظمة غير حكومية لإطلاق سراحه.
أما الأكاديمي والاقتصادي ناصر بن غيث، المحاضر في فرع أبو ظبي بجامعة باريس السوربون، فقد حكم عليه في 29 مارس 2017 بالسجن لمدة 10 سنوات بسبب تعليقاته الناقدة للحكومة عبر الإنترنت بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات ومصر. وفي خطاب مكتوب من السجن، يقول بن غيث أن “الحكم يثبت أنه لا يوجد مكان لحرية التعبير في هذا البلد” معلنًا أنه سيبدأ إضراباً عن الطعام حتى يتم إطلاق سراحه دون قيد أو شرط. كما دخل غيث في إضرابات لاحقة عن الطعام احتجاجًا على الأوضاع المتردية في سجن الرزين، مطالبًا بالإفراج الفوري عنه أسوة بالأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز والذي تم العفو عنه في 26 نوفمبر 2018، بعد أسبوع من الحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة التجسس. كان هيدجز قد ظل محتجزًا بمعزل عن العالم الخارجي وفي ظروف مهينة وغير إنسانية لمدة سبعة أشهر، بعدها خضع لمحاكمة جائرة بتهمة التجسس لصالح حكومة المملكة المتحدة.
في أكتوبر 2018، اعتمد البرلمان الأوروبي قرارًا يدعو الإمارات إلى وقف جميع أشكال المضايقة ورفع الحظر المفروض على السفر بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، وضمان “قدرة المدافعين عن حقوق الإنسان على العمل المشروع في مجال حقوق الإنسان داخل وخارج الإمارات في جميع الظروف، دون خوف من الانتقام”.
تدعم وزارة التسامح الإماراتية مهرجان هاي أبو ظبي، في بلد لا يتسامح مع الأصوات المعارضة. وللأسف، تكرس حكومة الإمارات المزيد من الجهود للتكتم على انتهاكات حقوق الإنسان بدلاً من المكاشفة والمحاسبة، وتستثمر عوضًا عن ذلك بكثافة في تمويل ورعاية المؤسسات والأحداث والمبادرات التي تهدف إلى إبراز صورة إيجابية عنها للعالم الخارجي.
لذا وبمناسبة مهرجان هاي أبو ظبي، نحث الحكومة الإماراتية على اغتنام هذه الفرصة للإفراج دون قيد أو شرط عن أصدقائنا وزملائنا المسجونين. وعلى أقل تقدير، تحسين ظروف احتجاز سجناء الرأي والسماح لهم بتلقي الكتب ومواد القراءة، والخروج من زنازينهم المنعزلة لزيارة المقصف أو رؤية الشمس، والسماح لعائلاتهم بالزيارة المنتظمة.
كما نطلب على وجه الخصوص، توفير سرير ومراتب لأحمد منصور حتى لا يضطر للنوم على الأرض، وضمان عدم تعرض المسئولين في السجن له ومعاقبته على مطالبه وشكواه العلنية للنيابة.
مهرجان هاي بأبو ظبي، وإكسبو 2020 دبي وغيرهما من الفعاليات والأحداث المستقبلية الكبرى فرصة للإمارات لتنفيذ وعدها وتحقيق شعارها بالتسامح من خلال إجراءات تشمل الشجعان الداعمين لحرية التعبير في البلاد.