الرعاية الطبية حق إنساني يغيب داخل السجون الإماراتية
تؤكد كل الأعراف والقوانين الدولية على أن حرص الحكومات على توفير كل الحقوق والخدمات اللازمة لشعوبها من ذلك البيئة الجيدة والرعاية الصحية الملائمة لا يحب أن يستثني السجناء لأنهم بالنهاية أشخاص لهم حقوق إنسانية كغيرهم من البشر الذين خارج السجن. لكن للأسف غالبا ما يتم استثناء السجناء من تلك المعادلة الصحية ويتم اهمالهم من ناحية الظروف الصحية الملائمة والمتابعة التي تضمن سلامتهم النفسية والجسدية.
بالرغم من أن السجناء “لهم حقوق غير قابلة للصرف” كما توصّفها المنظومة الحقوقية وهي حقوق منحتها لهم المعاهدات والمواثيق الدولية ومن بينها الحق في الرعاية الصحية، إلا أن سجناء الرأي في دولة الإمارات يتعرضون لانتهاك ممنهج لهذا الحق.وصارت حياتهم عرضة للخطر لا بل أكثر من ذلك هنالك من خسر حياته بسبب ذلك الإهمال الطبي الذي تزداد وطأته وسط الظروف السيئة داخل السجن والمعاملة المهينة.
الرعاية الطبية في السجون حق مضمون في القانون الإماراتي والدولي
ينص القانون الاتحادي بشأن تنظيم المنشآت العقابية واللائحة التنفيذية على حق كل سجين في الحصول على الرعاية الطبية اللازمة.
ومن جهتها وضعت الأمم المتحدة في قواعدها الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء معايير تتضمن مبادئ توفير الرعاية الصحية أثناء السجن و ينص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن السجناء لهم حق في أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية. وتنظم القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء توفير الرعاية الصحية لهم. كما أصدرت لجنة منع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة معايير للخدمات الصحية في السجون.
نصوص القانون واضحة فيما يخص الحق في الرعاية الصحية لكن واقع السجون الإماراتية يتنافى مع تلك النصوص وكل ما توثقه المنظمات الحقوقية من انتهاكات بحق المعتقلين في باب الرعاية الطبية يكشف تلك المفارقة بين النصوص والواقع.
الإهمال الطبي واقع مرير في السجون الإماراتية
بالاضافة الى احتجازهم في ظروف غير صحية و تعرّضهم لسوء المعاملة والتعذيب,يُحرم سجناء الرأي في السجون الإماراتية من الرعاية الطبية وهم يعانون من آثار الانتهاكات بحقهم منذ لحظة الاعتقال. وتتزايد المخاوف على الوضع الصحي لعدة نشطاء داخل السجن حيث تتعمد السلطات حرمانهم من التدخل الطبي خاصة أنه هناك منهم من خاض إضرابا عن الطعام وتدهورت صحته بشكل كبير. وقد شهدت الحالة الصحية للدكتور ناصر بن غيث بسجن الرزين تدهورا كبيرا نتيجة ما تعرض له من تعذيب وحجز انفرادي وإهمال طبي وتفاقم وضعه مع الاضراب عن الطعام حيث تجاهلت سلطات السجن حالته وهو الذي يحمل مرضا مزمنا وهو ارتفاع ضغط الدم وغيرها من المشاكل الصحية كضعف البصر والإرهاق المتواصل ونقص في الوزن.
شاهد آخر على انتهاك حق النشطاء في المتابعة الطبية هو الحقوقي أحمد منصور في سجن الصدر الذي بات وضعه الصحي مبعث قلق لدى الجهات الحقوقية خاصة مع توارد الأخبار عن تعرضه للحبس الانفرادي و معاقبته بحرمانه حتى من سرير ومن النظافة اليومية مما فاقم تدهور صحته بالاضافة للإضراب عن الطعام احتجاجا على تلك المعاملة السيئة بحقه من طرف السلطات.
كان لوفاة معتقلة الرأي الراحلة علياء عبد النور بعد صراع مع المرض أثرا كبيرا وكانت بمثابة ناقوس انذار لما قد ينجرّ عن الإهمال الطبي في السجون الإماراتية. توفيت عبد النور بعد صارعت مرض السرطان في حبسها بسجن الوثبة وقد حرمت من المتابعة الطبية اللازمة لحالتها حتى تفشى المرض في كامل جسدها ولم تتوقف السلطات عن انتهاك حقها حتى آخر لحظات حياتها حيث حرمتها الإفراج الصحي رغم كل الدعوات الحقوقية لذلك.
معتقلات الرأي نقطة سوداء أخرى في سجل الإهمال الطبي في سجن الوثبة الإماراتي وفي سجل حقوق الإنسان بصفة عامة لدولة الإمارات وقد وثقت التسجيلات المسربة من داخل السجن ما يتعرضن له من إهمال ممنهج دفع إحداهن للإقدام على الانتحار. فبين الحبس الانفرادي والتعذيب وسوء المعاملة والتشتيت النفسي تدهورت صحة أمينة محمد العبدولي ومريم البلوشي بشكل كبير.
وقد عبرت المنظمة الحقوقية “هيومن رايتس ووتش” عن الحالة المزرية للمعتقلات وقالت أن “السلطات الإماراتية فشلت في اتخاذ الضمانات اللازمة في ما يتعلق بحياة وأمن وكرامة الأشخاص المحرومين من حريتهم وأكدت أن معاناة المعتقلات ناجمة عن ظروف السجن وعدم حصولهن على العناية الطبية المناسبة”.
خطر فيروس كورونا في سجون الإمارات
تقع مسؤولية حماية المعتقلين من خطر جائحة فيروس كورونا على السلطات الإماراتية حيث أنه لا يمكن للسجناء حماية أنفسهم من هذا الفيروس سريع الانتشار حيث تدعو مواثيق حقوق الإنسان إلى حصول السجناء على رعاية صحية تكافئ على الأقل الرعاية المتاحة لمن هم خارج السجن. وفي هذا الإطار فالسلطات مطالبة بالاستعداد العاجل لحماية السجون تحسبا لوصول كورونا الى السجناء خاصة مع ما نعلمه من ظروف داخل السجن من اكتظاظ رهيب في الزنازين وغياب التهوية والمرافق النظافة بشكل كافي.ويجب على السلطات أن تعلم إن للسجناء الحق في العيش في ظروف تضمن أمنهم كأفراد.
يبقى مطلب الإفراج عن معتقلي الرأي مطلب أساسيا وقد أصبح عاجلا أكثر من أي وقت مضى مع انتشار وباء كورونا والسلطات مطالبة بضمان حماية كل السجناء خاصة ذوو المناعة الضعيفة والذين تجاوزت أعمارهم الستين عاما لأنهم جميعا في خطر.