تقرير: مراكز المناصحة في الإمارات هي حرمان تعسفيّ من الحرية

صدر تقرير لمنظمة ” منا لحقوق الإنسان” حول موضوع مراكز المناصحة في دولة الإمارات العربية المتحدة شكلا ومضمونا ومدى استجابة تلك المراكز لما تم النص عليه في القانون الإماراتي ومدى احترامها لحقوق المعتقلين كما يضمنها الدستور والاماراتي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. 

بين التقرير أوجه التناقض بين الحقيقة القانونية والواقع المسلط على المعتقلين الذين تم تمديد حبسهم تحت ذريعة “المناصحة” حيث قام بتأصيل المسالة قانونيا من حيث صفة تلك المراكز وظيفتها وموقعها بالنظر لبقية المنشآت العقابية كما أكدت المنظمة ان السلطات في الإمارات تستخدم مراكز المناصحة  لاعتقال المنتقدين والناشطين إلى أجل غير مسمى ولأسباب قانونية غامضة وفضفاضة.

هل فعلا تتم “المناصحة” داخل مراكز خاصة أم في السجون؟ 

سلط التقرير الضوء على تعريف مراكز المناصحة في القانون الإماراتي شكلا ومضمونا وحسب مانص عليه التعريف الإماراتي واستنادا لقانون مكافحة الإرهاب فان تلك المراكز وجدت بهدف الإرشاد واصلاح الأشخاص الذين يشكلون تهديدا ارهابياً أو أولئك المتهمين بارتكاب جرائم ارهابية، وهو ما يلاحظ في هذا السياق أن مصطلح تهديد ارهابي غير محدد بوضوح ودقة وهو ما قد يؤدي إلى استخدام القانون بشكل تعسفي قد يطال ناشط\ين مدنيين سلميين أو معارضين سياسيين عبروا بطريقة سلمية.

ذكر التقرير أن مراكز “المناصحة” التي تتحدث عن السلطات ليست الا جزءا من المنشأة العقابية في حد ذاتها ولا يوجد دليل على أن مرافق وهياكل البنية التحتية لمراكز مناصحة تختلف عن السجون التي تقع فيها ، وفي عام 2019 ، نص قانون مركز المناصحة على إنشاء مركز وطني، ومقره الرئيسي في أبوظبي ولديه القدرة على فتح فروع في أي إمارة أخرى. ومع ذلك ، لم يتم فتح هذا المركز بعد.

برامج مراكز المناصحة 

اشار التقرير الى البرامج والأهداف التي تقدمها السلطات كتبرير او تفسير لسبب تكوين تلك المراكز حيث تستند السلطات الى المادة   1 و 40 و 48 و 66 من قاون مكافحة الإرهاب حيث يتم وضع الأشخاص في مراكز المناصحة بحجة “توافر خطورة ارهابية” التي تعرفها المادة 40 من قانون مكافحة الإرهاب أن “اشخص يعتبر بمثابة تهديد ارهابي اذا تبنى المعتقدات المستمدة من أيدولوجيات أو قيم أو مبادئ الجماعات المتطرفة فكرياً و يبدو أنه من المحتمل أن يرتكب جريمة إرهابية “.

وهذا الصدد تسائل التقرير أمام هذا التعريف الغامض عن الحد الذي يُعتبر فيه الشخص “محتملًا” أن يرتكب جريمة إرهابية ، معتبرا انه ليس من واضحا كيف يتم تقييم “احتمال” حدوث ذلك. وبالتالي يرى التقرير ان قانون مكافحة الإرهاب يمنح السلطات صلاحيات واسعة وغير محددة  لا تدع الضمانات القانونية الأساسية ، ويسمح باحتجاز الأفراد لأسباب غامضة ، وبالتالي تقويض مبدأ اليقين القانوني.

وحول البرامج التي من المفروض أن تضطلع بها وتقدمها مراكز فانه بموجب المادة 1 من قانون مكافحة الإرهاب ، تُعرف مراكز المناصحة بأنها ” تهدف إلى تنوير وإصلاح الأشخاص الذين يعتبرون أنهم يشكلون تهديدا إرهابيا أو المدانين بارتكاب جرائم إرهابية “.

لكن يرى التقرير أنه في كل من الحالات الموثقة ، لم يكن هناك أي دليل على تقديم المشورة الفعالة أو الوصول إلى برامج إعادة التأهيل وبدلا من ذلك فان المعتقلين تعرضوا من حين لآخر لبث الأغاني الوطنية أو شجعوا لتسجيل اعتراف تتفق مع توجهات السلطة.

الحبس في مراكز المناصحة يرتقي إلى الحرمان التعسفي من الحرية 

ذكر التقرير أن قانون مكافحة الإرهاب وقانون مركز مناصحة يفتقران إلى الوضوح القانوني فيما يتعلق بطبيعة الاعتقال في مركز المناصحة. فبينما تصفالمادة 1 من قانون مكافحة الإرهاب  مراكز المناصحة بأنها “وحدات إدارية” ، فان المادة 8 قانون المناصحة تصف المعتقلين بأنهم أشخاص “أدينوا كتهديد إرهابي”. وبالتالي فمن الواضح أن القضايا والاستئنافات ينظر فيها أمام المحاكم الجنائية. وفي نفس الاطار بينما يبدو أن يشكل المعتقل  “تهديدا إرهابيا” هو جريمة في حد ذاته حسب قانون مكافحة الإرهاب ، لاحظ التقرير أنه  إذا كان ينبغي اعتبار هذا الاعتقال في مركز مناصحة والمقصود من المركز كشكل من أشكال الاحتجاز الوقائي – فانه من الواضح أن تلك المراكز فشلت في اقامة المعايير الدولية.

وشدد التقريرعلى أن جميع الحالات الموثقة من قبل منظمة “منا” تتعلق بأفراد انتهت أحكامهم التي صدرت بحقهم على أساس ممارستهم للحق في حرية التعبير والرأي وتكوين الجمعيات. علاوة على ذلك ، تشير الحالات الموثقة أنه لا يوجد فرق بين مركز الرزين للمناصحة  ومجمع سجن الرزين التي تقع فيها.

وهذا الصدد قال التقريرأن السلطات الاماراتية فشلت في احترام القواعد المنصوص عليها من الفريق العامل المعني بمسألة الاعتقال التعسفي والذي يوجب على الأنظمة أن تفي بمتطلبات التناسب الملحة وأن تُحدث فرقًا بين أنظمة الاعتقال الوقائي وعقوبات السجن العادية.

وبالنظر لحالات التمديد التعسفي للمعتقلين في الإمارات أضاف التقرير بالقول أنه في كل حالة من الحالات الـ11 الموثقة ، كان من المقرر إطلاق سراح الأفراد ، بعد الانتهاء من الأحكام الصادرة في سجن الرزين بجرائم تتعلق بالأمنوقد تم تمديد حبسهم “للمناصحة” داخل مجمع السجن. استنادًا إلى المعلومات المتاحة المتعلقة بأنشطتهم وإداناتهم السابقة ، فمن الواضح بأنهم محتجزون حاليا في مركز الرزين للمناصحة في علاقة بمعارضتهم وانتقادهم للسلطة.

ولاحظ التقرير أنه في الحالات التي تأمر فيها المحكمة باحتجاز فرد لأنه يُخشى أن يكون خطرا على المجتمع في المستقبل ولأغراض إعادة التأهيل مطلوب من الدولة أن تثبت أنه لم يكن من الممكن إعادة تأهيل الفرد  بوسائل غير استمرار الحبس أو حتى الاحتجاز.

اشار التقرير الى أن المادة 8 من قانون مركز المناصحة تقترح أن هناك شرط تحديد مدة الاعتقال ، مع التأكيد على أنه لا يجوز الاحتفاظ بالمعتقلين بعد انقضاء المدة المحددة في الحكم الأول ، ما لم يكن هناك حكم آخر. ومع ذلك ، لاحظ التقرير أن ما لا يقل عن ثلاثة معتقلين أمضوا أكثر من ثلاث سنوات في مركز المناصحة ، مما يوحي بأن المعتقلين معرضون لخطر الاعتقال المطول بغض النظر عن تلك الممارسات.

وفي هذا الصدد ،أضاف التقرير أن العديد من المكلفين بالإجراءات الخاصة للأمم المتحدة قد أكدوا أنه “لا يجوز حرمان شخص من حريته إلا وفقاً للضمانات الإجرائية واعتبر التقرير أن السلطات الإماراتية تنتهك حقوق المعتقلين بموجب المادتين 3 و 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. 

 نوه التقرير الى أن قانون مكافحة الإرهاب وقانون مركز المناصحة تبدي صمتا فيما يتعلق بحقوق المثول أمام المحكمة قبل صدور أي حكم. علاوة على ذلك، ليس هناك حد لعدد المرات التي يجوز فيها للقاضي تجديد أمر الاحتجاز ويدعم التقرير ملاحظاته من شهادات أغلب أصحابها لم تتح لهم الفرصة للمثول أمام المحكمة فيما يتعلق بالأحكام لاحتجازهم على أساس أنهم ما زالوا يشكلون “تهديدًا إرهابيًا”. 

واستنتج التقرير أن المعتقلين في مراكز المناصحة محرومون من حقهم في طعن في شرعية اعتقالهم أمام سلطة قضائية مستقلة وأن يتم الاعتراف بهم كأشخاص أمام القانون ويرى في ذلك انتهاكا للمادتين 14 و 22 من الميثاق العربي وينتهك كذلك المادتين 26 و 28 من دستور الإمارات.

الحق في التمثيل القانوني و الحق في الاستئناف 

 تضمن المادة 280 من القانون الاتحادي رقم 35/1992 بشأن قانون الإجراءات الجزائية  يؤكد أن جميع المتهمين لهم الحق في أن يمثلهم محامي وعلاوة على ذلك ، وبموجب المادة 160 من قانون الإجراءات الجنائية ، فإن أي شخص يواجه الاتهامات التي تكون العقوبة فيها هي الحبس ، يجب أن يمثل أمام المحكمة شخصيا. رغم هذا، أشار التقرير الى أن العديد من الحالات الموثقة تشمل أفرادا لم يتم عرضهم على المحكمة مطلقاً للدفاع  فيما يتعلق باعتقالاتهم الحالية. علاوة على ذلك ، حُرم ما لا يقل عن تسعة أفراد من الاستعانة بمحام مدة اعتقالهم في مركزالمناصحة بسجن الرزين. 

ويضيف التقرير انه على الرغم من أنه يجب على  المحكمة ان تنظر في قضايا الاعتقالات  كل ثلاثة أشهر، فانه لا الأفراد ولا محاميهم تم مدّهم بالأدلة التي قدمها الادعاء إلى المحكمة ، ولم يتم منحهم الفرصة للطعن في أي قرار يفيد بعدم إطلاق سراحهم. وبالتالي استنتج التقرير أن السلطات الإماراتية تنتهك حقوق هؤلاء الأفراد بموجب المادتين 10 و 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، المادة 16 من الميثاق العربي ، والمبدأ 9 من المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن سبل الانتصاف وإجراءات الحق لأي شخص حرم من حريته في رفع دعوى أمام المحكمة.

ذكر التقرير أن المادة 230 من قانون الإجراءات الجزائية تنص على انه يجوز لكل من المتهم والنيابة العامة استئناف الأحكام الصادرة في الدعوى الجزائية من المحاكم الابتدائية. وبحسب التقرير ففي حالتين موثقتين ، كان المعتقلون قادرين على الاستئناف أوامر اعتقالهم ،ولكن تم توثيق الحالات التسع المتبقية ، والتي تضمنت أغلبيتها عمليات نقل إلى مركز المناصحة بين 2018 و 2019 ، ولم يكن هناك أي طعون.

عبّر التقرير عن قله من أن النقص من الطعون بعد 2017 يشير إلى أن المعتقلين الأحدث محرومين من حقهم في الاستئناف ، انتهاكا للمادة 230 من قانون الإجراءات الجزائية ، والمادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المادة 16 من الميثاق العربي.

استخدام مراكز المناصحة للقمع وتكميم الأفواه

قانون مكافحة الارهاب بصبغة فضفاضة وغامضة 

يرى التقرير أن قانون مكافحة الإرهاب يحتوي على تعريف فضفاض للغاية “للجريمة الإرهابية” ، مما يمكن من استخدامه بشكل متكرر لمحاكمة الناس فقط لممارستهم حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي. ونوه أن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب شدد على ضرورة توضيح تعريف هذه الجرائم للتأكد من أنها لا تؤدي إلى تدخل غير متناسب مع حرية التعبير. يقول التقرير أن العديد من مواد قانون مكافحة الإرهاب تفشل في تلبية المعايير الدولية. كما ذكر التقرير ان  المادة 14 من قانون مكافحة الإرهاب تعتبر ان الجريمة الارهابية هي أي عمل  يهدد “استقرار الدولة أو سلامتها أو وحدتها أو سيادتها أو أمنها ، وهو ما يتعارض المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام حكم الدولة “. و تنص المادة 15 على انه  “يعاقب بالسجن المؤقت  كل من يعلن بأي وسيلة من وسائل التواصل ، معارضته للدولة ، أو للنظام الحاكم فيها أو عدم ولائه لقيادتها “. اعتبر التقرير أن هذه الأحكام واسعة للغاية مما يسمح بالخلط بين أي انتقاد علني أو معارضة وبين الإرهاب. 

قانون مكافحة الإرهاب لتكميم الأفواه 

استخدمت الإمارات مراراً وتكراراً تشريعات مكافحة الإرهاب لاعتقال النقاد والمعارضة القادة والمدافعين عن حقوق الإنسان. وتشمل الأمثلة البارزة لهذه الحملة القمعية قضية “الإمارات 94” ، حيث أن 94 منتقد وناشط ، بما في ذلك مدافعين بارزين عن حقوق الإنسان وقضاة وأكاديميون والقادة الطلاب ، تمت مقاضاتهم بشكل جماعي بتهمة تأسيس منظمة (جماعة الإصلاح) تهدف إلى الإطاحة بالحكومة ،وهي تهمة التي أنكروها جميعًا. فيما يتعلق بقضايا 61 من المتهمين ،أصدرت فريق الأمم المتحدة العامل المعنى بالإحتجاز التعسفي المتحدة الرأي رقم 60/2013 ،  والذي جاء فيه أن اعتقال المتهمين واحتجازهم قد نتج عن ممارسة حقوقهم في حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات ، وأنه يفتقر إلى الأساس القانوني وأنه كان هناك انتهاك للحق في محاكمة عادلة.وعليه فان دولة الإمارات استخدمت تشريعات مكافحة الإرهاب لإسكات المنتقدين السلميين. 

مراكز المناصحة من أجل احتجاز المنتقدين والنشطاء

قال التقرير أن قانون مكافحة الإرهاب يمنح السلطات صلاحيات واسعة لاحتجاز الأفراد مثل النقاد والمعارضون والمدافعون عن حقوق الإنسان في مراكز المناصحة بحجة أنهم يشكلون “تهديدًا إرهابيًا”. استنادًا إلى المعلومات المتاحة المتعلقة بأنشطتهم وإداناتهم السابقة ، فمن الواضح بأنهم محتجزون حاليا في مركز المناصحة بسجن الرزين بحجة إعادة التأهيل ولكن هذا تمديد احتجاز الأفراد الذين سبق لهم ممارسة حقهم في حرية التعبير والرأي وحرية التجمع والتجمع السلمي.

تحدث التقرير عن معتقلين سابقين في مراكز المناصحة بينهم المدون أسامة النجار ظهروا في تسجيلات مصورة وهم يعترفون و”توبتهم”  بما في ذلك تسجيل بعنوان “العائدون الى حضن الوطن حضن الى العائدون” وهذ  كشف التقرير أن هذا الاجراء يبعث على القلق من أن السلطات الإماراتية أنشأت نظاما بموجبه مطلوب تقديم اعتراف وتوبة علنية ، من الأفراد المحتجزين حتى يتم الافراج عنهم.

خَلُص التقرير الى أن مراكز المناصحة في الإمارات العربية المتحدة لا تهدف إلى تقديم المشورة أو إعادة تأهيل الأفراد ، ولكن بدلاً من ذلك ، يتم استخدامها لتمكين احتجاز الأفراد إلى أجل غير مسمى استنادا الى قانون مكافحة الإرهاب وقانون مركز المناصحة ، اللذين يفتقران إلى اليقين القانوني ويفشلان في تلبية المعايير الدولية. بالإضافة إلى ذلك ، تستخدم دولة الإمارات العربية المتحدة بانتظام قانون مكافحة الإرهاب لإسكات وقمع أي شكل سلمي من المعارضة والنقد واعتقل النشطاء والحقوقيين من أجل خلق مناخ والثقافة الصمت. نتيجة لذلك قال التقرير أن الحالات الموثقة للمعتقلين في مركز المناصحة  بسجن الرزين هي انتهاك  لحقهم في حرية التعبير والرأي ، وحرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي بموجب المادة 19 و 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى