المعتقلون المنتهية أحكامهم في الإمارات

يسلط التقرير الضوء على ضحايا النظام من المنتهية أحكامهم وحقيقة مراكز المناصحة بين دورها الفعلي ودورها في دولة الإمارات مع “سجناء الرأي”.

لم تنته بعد حلقات مسلسل الانتهاكات في الإمارات، إذ مازال النظام الحاكم يمعن في انتهاك حقوق الإنسان، ولا يكتفي باعتقاله المئات على خلفية التعبير عن الرأي، بل إنه يواصل احتجاز العشرات منهم على الرغم من انتهاء فترة محكومياتهم في خرق واضح للقانون الدولي، وانتهاك صارخ لحق المعتقل في استعادة حريته بعد انقضاء فترة سجنه.

لقد تجاوزت دولة الإمارات كل الاعتبارات والحدود، لا فقط في اعتقال الأفراد دون وجه حق وتلفيق التهم لهم والمحاكمات الصورية والحكم بالسجن دون سند قانوني أو نظامي، بل كذلك مواصلة سلب الحرية لمن أنهوا محكومياتهم وجعلهم يخضعون لمحاكمات جديدة أو إبعادهم وإخفائهم قسريا.

 وكعادة دولة الإمارات في التكتم والتعتيم، فمن الصعوبة الحصول على أسماء كل المعتقلين أو حصرهم والتأكد من بقاء بعضهم في السجون نتيجة رفض السلطات بشكل دائم الاعتراف بوجودهم في سجونها أو كشف عددهم للرأي العام والحقوقي، باعتبار أن المعتقلين المنتهية أحكامهم يواصلون عادة الفترة ما بعد انتهاء المحكومية في السجن.

ولمحاولة الهروب من المسؤولية ومغالطة الرأي العام وأهالي المعتقلين والمنظمات الحقوقية، لجأت السلطات إلى إدعاء بقاء المعتقل في ما يسمى ب”مراكز المناصحة والإرشاد” بعد السجن، والحال أن دور هذه المراكز هو إبقاء المعتقل فترة أطول في اعتقال إصلاحيّ صوريّ وهميّ، أو قد تكون هذه المراكز سجنا يواصل فيها المعتقل المعاناة التي عاشها خلال فترة محكوميته.

وبين قانون جائر وتطبيق خاطئ، تضيع حقوق المعتقل وتمعن السلطات في مواصلة نهج الانتهاكات في وقت كان لا بد أن ينعم فيه المعتقل بحريته.

يسلط هذا التقرير الضوء على ضحايا النظام من المنتهية أحكامهم وحقيقة مراكز المناصحة بين دورها الفعلي ودورها في دولة الإمارات مع “سجناء الرأي”.

القانون المنظم لمحكومية المعتقل:

المعتقل هو شخص وقع تقييد حريته لسبب أو لآخر. ويبقى إنسانا يتمتع بالحقوق نفسها التي لا يمكن أبداً أن تسلب منه خارج السجن أو داخله، بغض النظر أين وجد، أو ماذا فعل. علما وأن الوجود في السجن، لا يعني أن المعتقل مذنب بارتكاب جريمة خاصة في بعض الدول التي عرفت بانتهاك حقوق الإنسان. فبعض المساجين هم أشخاص لم يستخدموا العنف ولم يدعوا إليه ولكنهم سجنوا على أساس الأصل العرقي أو القومي أو اللغة أو الدين أو اللون أو الجنس أو بسبب آرائهم السياسية أو الاجتماعية ومن بينهم “سجناء الرأي”.

بالإضافة إلى اعتقال الأشخاص تعسفيا دون سبب مشروع أو دون  إجراء قانوني أو احتجاز الأشخاص بمعزل عن العالم الخارجي دون السماح لهم بالاتصال بذويهم ومحاميهم أو اعتقالهم سريا في أماكن لا تفصح السلطات عنها.

كل هؤلاء المعتقلين ينبغي أن يتمتعوا بمحاكمات عادلة يحترم فيها القانون، من خلال استقلالية القضاء وحضور هيئة الدفاع وإقرار عقوبات تتماشى مع التهمة المنسوبة إلى المتهم. ولهذا عمدت هيئة الأمم المتحدة منذ تأسيسها إلى الحد من التعذيب ومعاملة السجناء معاملة غير إنسانية. إذ منعت المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 ،التعذيب أو المعاملة السيئة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، فضلا عن مجموعة من الاتفاقيات والقرارات الدولية في هذا الشأن التي تلت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وقد أثمرت الجهود الدولية تحقيق حماية أكبر لحقوق الإنسان المحروم من حريته، وذلك من خلال وضع “القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بجنيف سنة 1955.

وتتناول هذه القواعد الشروط التي يجب توفرها في السجون وفي معاملة المحرومين من حريتهم. وهي لا تقدم  لنظام نموذجي للسجون بل تحاول أن تحدد ما يعتبر عموما خير المبادئ والقواعد العملية في معاملة المسجونين وإدارة السجون.

كذلك تم وضع مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاج أو السجن لسنة 1988، ويشمل الإطار التشريعي المنظم للسجون ومعاملة السجناء المعتقلين المنتهية أحكامهم.

المعتقلون المنتهية أحكامهم في الإمارات:

تعريف المعتقل المنتهية محكوميته /تعريف الاعتقال التعسفي

المعتقل المنتهية محكوميته هو كل فرد أنهى فترة حكمه ووقع الإبقاء عليه في السجن أو في مكان غير معلوم دون موجب حق.

وقد كان القانون الدولي واضحا إذ حظر حظرا مطلقا التقييد التعسفي لحريات الأفراد في المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة وينص القانون على أنه “لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا”.

ويعتبر احتجاز الأفراد في قضايا بحيث لا يكون هناك أي دليل أو اشتباه بقيامهم بأي عمل يخالف القانون احتجازا على وجه التعسف أو اعتقالا. 

إذن فالاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي هو الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.

ينبغي الإقرار بـأن الاحتجاز لا يُعدّ بذاته انتهاكاً لحقوق الإنسان، ويمكن أن يكون مشروعاً، إلّا أنه يصبح تعسفياً عندما يصاحب الحرمان من الحرية انتهاكاً للحقوق الأساسية والضمانات المنصوص عليها في القوانين الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان. 

 وقد عرّف الفريق العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي في الأمم المتحدة الاحتجاز التعسفي وصنفه إلى عدة فئات:

– إذا كان واضحاً أنه من المستحيل التذرع بأي أساس قانوني لتبرير الحرمان من الحرية (كأن يبقى الشخص قيد الاحتجاز بعد انتهاء مدة العقوبة المحكوم عليه بها أو على الرغم من صدور قانون عفو ينطبق عليه.

– إذا كان الحرمان من الحرية ناجما عن ممارسة الحقوق أو الحريات التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مثل الحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.

– إذا كان عدم الاحترام التام أو الجزئي للقواعد الدولية المتصلة بالحق في محاكمة عادلة، المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي الصكوك الدولية ذات الصلة التي قبلتها الدول المعنية، من الخطورة بحيث يضفي على الحرمان من الحرية طابعاً تعسفياً، على سبيل المثال إذا تم سجن الشخص دون تهمة أو حرم من استشارة محام.

– عندما يستند الحرمان من الحرية على أسس تمييزية، كأن يستند على أساس التمييز العرقي أو الديني أو التوجه السياسي أو الجنس أو غيره.

يتعرض الآلاف من الأفراد في العالم العربي وخاصة بعض الدول مثل الإمارات للاحتجاز التعسفي. ويحرم الضحايا عادة من حقوقهم الأساسية منذ لحظة الاعتقال، حيث ينفذ الاعتقال دون مذكرة قضائية؛ ويحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي أي من دون السماح لهم بالتواصل مع عائلاتهم أو محاميهم؛ ويخضعون لفترات حبس احتياطي طويلة، يتعرضون خلالها للتعذيب لانتزاع الاعترافات منهم؛ ويعرضون على محاكم  استثنائية تفتقر للحياد أو الاستقلالية.

تلجأ الإمارات في كثير من الأحيان إلى اعتقال ومحاكمة الأصوات المعارضة، كالمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين والصحفيين، انتقاماً منهم لممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات. كذلك، يقع الآلاف من المواطنين العاديين ضحايا الاحتجاز التعسفي عندما يحرمون من حقهم في المحاكمة العادلة.

والأسوأ أن دولة الإمارات لا تطبق القوانين الدولية التي وقعت عليها، بل وكذلك تبقى قوانينها الاتحادية حبرا على ورق ومنها هذا القانون الخاص بالإفراج عن المساجين.

يتكون الفصل السادس من القانون الاتحادي رقم (43) لسنة 1992 في شأن تنظيم المنشآت العقابية واللائحة التنفيذية من مجموعة من المواد التي تنظم الإفراج عن المسجونين:

المادة 41

يفرج عن المسجون ظهر اليوم التالي لانتهاء مدة العقوبة. ومع ذلك إذا كان المسجون مقررا وضعه تحت مراقبة الشرطة أو كان ممن ينص القانون على وجوب عرضهم عليها وجب على إدارة المنشأة تسليم المسجون في الموعد المحدد بالفقرة السابقة إلى مركز الشرطة المختص.
وإذا كان مودعا على ذمة تنفيذ عقوبة بدنية، فيذكر في أمر الإيداع موعد تسليمه إلى الجهة التي ستنفذ العقوبة، وتسلم إدارة المنشأة المسجون إلى تلك الجهة في الموعد المحدد.
وإذا لم يكن للمسجون وقت الإفراج عنه ملابس صالحة للاستعمال ولم يكن في مقدوره الحصول عليها صرفت له إدارة المنشأة ملابس على الوجه المبين باللائحة التنفيذية.

المادة 42

يفرج عن المحبوس احتياطيا بمجرد انتهاء المدة الواردة بأمر الإيداع ما لم يتم تمديدها أو يصدر قبل انتهائها أمر بالإفراج عنه من السلطات المختصة وذلك ما لم يكن محبوسا لسبب أخر.

المادة 43

يكون الإفراج الصحي عن المسجون طبقا للأحكام المبينة في المادة 32.

المادة 44

يفرج عن كل محكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية لمدة شهر أو أكثر إذا أمضى ثلاثة أرباع مدة العقوبة وكان سلوكه أثناء وجودة بالمنشأة يدعو إلى الثقة بتقويم نفسه ولم يكن في الإفراج عنه خطرا على الأمن العام.

وإذا كانت العقوبة هي السجن المؤبد فيفرج عنه إذا قضى عشرين سنة على الأقل. ويصدر بهذا الإفراج قرار من وزير الداخلية، ويبلغ النائب العام بصورة منه.

هذه المواد المنظمة لفترة السجن والإفراج عن المعتقلين واضحة في المستوى النظري متداخلة في المستوى العملي وقد تطبق في كثير من الأحيان على المقاس، ولا تشمل جميع المعتقلين بالدرجة ذاتها. لهذا نجد معتقلين استوفوا محكوميتهم ومازالوا تحت رهن الاعتقال.

المنتهية أحكامهم في الإمارات:

يحمي القانون الدولي لحقوق الإنسان الحقوق الأساسية، بما فيها الحق في عدم الحرمان التعسفي من الحرية. ذكرت “لجنة حقوق الإنسان” التابعة للأمم المتحدة، في تعليقها العام على المادة التاسعة من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” أنه “إذا تم في ظل أكثر الظروف استثنائية، التذرع بتهديد حالي ومباشر وضروري لتبرير احتجاز الأشخاص الذين يُعتبر أنهم يمثلون هذا التهديد، يقع عبء الإثبات على عاتق الدول الأطراف لإظهار أن الفرد يشكل مثل هذا التهديد وأنه لا يمكن معالجته بتدابير بديلة، وأن هذا العبء يزداد مع طول مدة الاحتجاز”.

تحتاج الدول الأطراف أيضا إلى إظهار أن الاحتجاز لا يدوم أكثر من اللازم، وأن المدة الإجمالية للاحتجاز المحتمل محدودة وأنها تحترم بشكل كامل الضمانات المنصوص عليها في المادة 9 في جميع الحالات.

ولإيجاد عذر لإبقاء بعض السجناء قيد الاعتقال تلجأ الإمارات إلى أسوأ الاتهامات ما يسمى ب“الخطورة الإرهابية” وفقًا للمادة 40 من القانون رقم 7 لسنة 2014 بشأن الجرائم الإرهابية وهو ما يسمح بتمديد حبسهم إلى أجل غير مسمى.

إذ تنص المادة 40 (1) من قانون مكافحة الإرهاب على أنه “تتوفر الخطورة الإرهابية في الشخص إذا كان متبنيا للفكر المتطرف أو الإرهابي بحيث يُخشى من قيامه بارتكاب جريمة إرهابية”. 

توضح المادة 40 (2) إنه يمكن إيداع من يُنظر إليهم على أنه تتوافر لديهم الخطورة الإرهابية بأمر من المحكمة بناء على طلب من نيابة أمن الدولة، في مراكز الاستشارة أو “المناصحة”، والتي تعرفها المادة 1 بأنها “وحدات إدارية تهدف إلى هداية وإصلاح من توافرت فيهم الخطورة الإرهابية أو المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية”.

تنصّ المادة 41 على أنه يجوز للمحكمة إخضاع شخص يُعتبر أنه يشكل خطورة إرهابية لواحد أو أكثر من التدابير خلال المدة التي تقررها المحكمة، بما فيها المنع من السفر أو المراقبة أو حظر الإقامة في مكان معين أو منطقة محددة، وحظر ارتياد أماكن أو محال معينة، ومنع الاتصال بأشخاص معينين.

بموجب المادة 48 من قانون مكافحة الإرهاب، يجوز للمدعي العام وضع شخص مدان بجريمة إرهابية في “برنامج المناصحة” الذي سينفذ في السجن حيث يقضي فيه المحكوم عليه العقوبة، ويتم تنفيذ البرنامج تحت إشراف مركز المناصحة.

وفي هذا الصدد اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن القانون لم يحدّد الخطورة الإرهابية بشكل واضح. ولم يحدد مهلة زمنية للاحتجاز المستمر، وبدلا من ذلك، يطلب من النيابة العامة لأمن الدولة إبلاغ المحكمة كل 3 أشهر. يجوز للمحكمة أن تأمر بالإفراج عن شخص إذا وجدت أن “حالته تسمح بذلك”. ليس من الواضح ما إذا كان للمدعى عليه أي حق في حضور الجلسة أو رؤية الأدلة المستخدمة لتبرير احتجازه أو الطعن فيها.

وتحت هذه المواد الفضفاضة، تواصل الإمارات احتجاز 11 معتقل رأي رغم انقضاء فترة محكومياتهم كاملة وهم:

• عبد الله إبراهيم الحلو أنهى حكمه منذ 22 أبريل 2017

• فيصل علي الشحي أنهى حكمه منذ 22 أبريل 2017

• أحمد محمد الملا أنهى حكمه منذ 1 مايو 2017

• عبد الواحد حسن بادي أنهى حكمه منذ 26 مارس 2018

• سعيد عبد الله البريمي أنهى حكمه منذ 26 مارس 2018

• خليفة  ربيعة أنهى حكمه منذ 23 يوليو 2018

• عبد الله عبد القادر الهاجري أنهى حكمه منذ 16 يوليو 2019

• عمران الرضوان علي الحارثي أنهى حكمه منذ 16 يوليو 2019

• محمود حسن الحوسني أنهى حكمه منذ 16 يوليو 2019

• منصور حسن الأحمدي أنهى حكمه منذ 13 أكتوبر 2019

• فهد عبد القادر الهاجري أنهى حكمه منذ 2 مارس 2020

ننوه إلى أن هؤلاء هم عينة من المعتقلين الذين في المناصحة، ويوجد آخرون لا تكشف السلطات عنهم سواء من الجنسية الإماراتية أو غيرها.

وقد طالبت المنظمات والمراكز الحقوقية بوقف إهدار حقوق المنتهية أحكامهم، فوجه مجلس جنيف للحقوق والحريات نداءً إلى سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة للإفراج عن معتقلي رأي انتهت أحكامهم منذ فترة طويلة وقال المجلس” إن سلطات الإمارات تظهر استخفافا خطيرا بسيادة القانون بمواصلتها احتجاز معتقلي الرأي على الرغم من انتهاء فترة محكومياتهم”.

وطالب المركز باحترام “الالتزامات الدولية التي تم الاتفاق عليها خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان في عام 2013، وضمان الحقوق الأساسية لعائلات المعتقلين في الحصول على المعلومات التي تخص أماكن احتجاز أقاربهم وحالتهم الصحية”.

وقالت منظمة العفو الدولية “أمنستي” إنها وثقت العديد من الحالات التي أهدرت فيها حقوق المعتقلين؛ وفي هذه الحالات، التي كان جهاز أمن الدولة هو المسؤول عن معظمها، ألقِيَ القبض على الأشخاص بدون أمر قضائي، واحتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي لمدة أسابيع أو شهور، وتعرضوا للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة. وفي بعض الحالات، كابد المحتجزون ظروفا مهينة في الحجز.

فيما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن “حرمان المعتقلين من الحرية لسنوات طويلة بعد انتهاء أحكامهم يُظهر ازدراء صارخا لسيادة القانون. لهؤلاء الرجال جميعهم حياة وعائلات ليعودوا إليها، وينبغي ألا يواجهوا احتمال الاحتجاز إلى أجل غير مسمى، وهو أمر قاس وغير قانوني”.

تخشى المنظمات الحقوقية من أن الإمارات تضغط على من انتهت محكومياتهم للخروج في فيديوهات مصورة تتبرأ من بعض الأشخاص أو الجمعيات، على غرار ما فعل مع ثلاثة من المعتقلين هم بدر البحري، وأسامة النجار، وعثمان الشحي، عند بث تسجيلات لهم تهاجم دعوة الإصلاح، مع صدور قرار رئاسي بالعفو عنهم ثم وضعهم في ما يسمى ب”مراكز المناصحة.

مراكز المناصحة: بين النظرية والواقع:

في 20 أغسطس سنة 2014 ورداً على ما يحدث في العالم العربي من انتفاضات وثورات، أصدر المجلس الاتحادي القانون رقم 7 لمكافحة الإرهاب، وهو قانون غائم وفضفاض حسب توصيف أغلب المراقبين يسمح للدولة باستخدام عقوبة الإعدام وكافة العقوبات المشددة.

وفي ذات الإطار، أعلن هذا القانون عن تكوين مراكز للمناصحة تهدف حسب ما تم الإعلان عنه من قبل الدولة إلى الاهتمام بالمساجين المتهمين في قضايا إرهاب اثر انتهاء فترة محكوميتهم، وذلك عبر تقديم الرعاية النفسية والاجتماعية لإعادة إدماجهم لاحقاً في المجتمع. وتزعم الحكومة الإماراتية أن المعتقل الذي يتم تحويله إلى “مركز المناصحة” تُعقد له جلسات نفسية واجتماعية ودينية، تضم أطباء نفسيين وأخصائيين اجتماعيين ووعّاظا، وتخضع هذه الجلسات لرقابة لجان مشكلة من النيابة العامة، ومن جهات أمنية.

 كما نشرت وزارة العدل مرسوما بقانون اتحادي رقم 28 صدر في 04 سبتمبر 2019 في إنشاء “المركز الوطني للمناصحة”. تنص المادة 2  من هذا المرسوم: 

“ينشأ بموجب أحكام هذا المرسوم بقانون مركز للمناصحة يسمى “المركز الوطني للمناصحة”، يلحق بالمجلس، تناط به المسؤوليات المتعلقة بمناصحة وتأهيل حاملي الفكر الإرهابي أو المتطرف أو المنحرف.

 تكون للمركز الشخصية الاعتبارية المستقلة، ويتمتع بالأهلية القانونية اللازمة للتصرف، والاستقلال المالي والإداري اللازمين لتحقيق أهدافه” 

وقد حوت المادة على أن المركز يلحق المجلس (تابع له) وفي الآن ذاته مستقل، وهو ما يعني تضاربا حتى في قانونه النظري منذ بداية إنشائه.

 الحقيقة أن دولة الإمارات لا يوجد بها حاليا مراكز مناصحة إلا على الورق لأنها تستخدم السجون لهذا الغرض وينطبق على المنتهية أحكامهم ما ينطبق على السجناء من إجراءات وانتهاكات.

و القانون المتعلق بهذه المراكز لا يبين الآليات التي يتم اعتمادها لإعادة تأهيل هؤلاء المساجين، ولا يقدم فكرة عن ظروف الإقامة هناك ،ولا يحدد المدة التي يتعين على من أنهى فترة محكوميته بقاؤه داخل المراكز. كما أنه لا يجعل الأمر اختيارياً بالنسبة للسجين أو عائلته إنما هو حكم إجباري يفرض إلزاماً دون وجه قانوني، ودون أن ينص على ذلك حكم قضائي واضح سواء في المحاكمة الأولى أو إثر انقضاء فترة المحكومية.

ويرى مراقبون أن  هذه الخطوة تعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان لافتين إلى أن السلطات تتناسى أن معتقلي الرأي في سجونها، محتجزون على خلفية نشاطهم الحقوقي، وممارستهم لحرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وليس لارتكابهم أعمالا إرهابية.

وألمح الناشط الإماراتي حمد الشامسي، إن هناك قصورا في تطبيق قانون “إنشاء المركز الوطني للمناصحة”، مضيفا أن المادة 8 من هذا القانون تنص على أن الأشخاص المدانين بقضايا إرهابية (المحكوم عليهم بالخطورة الإرهابية) يتم إيداعهم بهذا المركز، إلا أن الحقيقة هي وجود هؤلاء المعتقلين في منشآت عقابية، جلّهم في سجن الرزين و أن الإمارات تطبق بحق المنتهية محكومياتهم ما يعرف عالميا بـ”الاعتقال الإداري”، إذ يمدد النائب العام توقيف المعتقلين كل ستة شهور، لزعمه أن خطرهم لا يزال قائما.

وأضاف الشامسي أن “النيابة العامة تستخدم مواد هذا القانون لابتزاز المعتقلين؛ حتى يقوموا بتسجيل أقوالهم التي تستخدم للتشهير بهم، كما فعلت مع البحري والنجار وعثمان الشحي، الذين قضوا أكثر من سنة في منشأة عقابية بعد انتهاء فترة محكوميتهم.

كما بينا سابقا تنص المادة 60 من قانون مكافحة الإرهاب على أنه بمقتضى قرار صادر عن مجلس الوزراء، ينشأ واحد أو أكثر من مراكز إرشاد وتوجيه الأفراد المحكوم عليهم في جرائم ارهابية أو الذين يعتبرون ارهابيين خطيرين، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: من هي الجهة المسؤولة عن هذه المراكز؟

هل يفترض أن تكون تابعة لوزارة الداخلية كما هو الحال أم أنه يتعين عليها أن تكون تابعة لهيكل مدني ذو صبغة اجتماعية حتى نضمن الحياد والشفافية والنأي بأهداف المركز عن الغايات الانتقامية، وحتى نكفل للمحكومين المنتهية فترة سجنهم إعادة تأهيل نفسية واجتماعية ودينية كما تزعم السلطات؟.

إن المتفحّص في الملابسات القانونية الحافة بمراكز المناصحة والإرشاد يمكنه أن يرصد عدة مخالفات قانونية فلا تختلف عن الإقامة في السجون. و نذكر من المخالفات:

ينص الدستور الإماراتي في المادة 28 على|أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، وهو ما يتعارض تماما مع القانون الاتحادي لسنة 2014 الذي يكتفي بالشبهة لاعتقال أشخاص والزج بهم في السجون لمحاكمات جائرة ثم في مراكز مناصحة. 

عدم تعيين مدة زمنية محددة للإيداع بمراكز المناصحة أو على الأقل تحديد مدة زمنية قصوى لا يمكن تجاوزها. 

تمنع المادة 40 من القانون الاتحادي لسنة 2014 المحكومين بقضايا إرهاب والمحتجزين في مراكز إرشاد التوجه للقضاء قصد التظلم أو الطعن أو الاستئناف ضد قرار الاعتقال.

وما يمكن أن نخلص إليه من خلال كل ما سبق ذكره من تجاوزات ومعاينات، أن السلطات الإماراتية تسئ استعمال مراكز المناصحة لتطال الناشطين الحقوقيين والمدونين ووضعهم في سلة واحدة مع الإرهابيين.

كما أن مركز المناصحة من المفروض أن يقدّم تقريراً دورياً إلى النيابة كل ثلاثة أشهر عن الشخص المودع ثم ترفعها إلى المحكمة لاتخاذ القرار بإخلاء سبيل المعتقل أو تجديد إيداعه، بينما لم يطلع المودعون للمناصحة ولا محاموهم ولا أسرهم على فحوى هذه التقارير ولم توجه لهم أي تهمة جديدة. 

ولم يحدّد القانون مدة قصوى للإيداع بمراكز المناصحة بل تركها مفتوحة كما أسلفنا وهو ما يترتب عنه حبس المعتقل لفترات طويلة والتجديد دون ضوابط وهو ضرب من ضروب الاعتقال التعسّفي في ظل غياب أي تهمة موجهة للمعتقلين وذلك لمزيد التنكيل بالمعارضين والمدونين والنشطاء السياسيين هذا فضلاً عن تحكّم السلطة التنفيذية في القضاء. حقيقة ورجوع مراكز المناصحة بالنظر إلى النظام ما يجعلها غير محايدة (جهة الإشراف).

 مما يؤكد أن الهدف من هذه المراكز تمديد عقوبة السجن واستمرار حبس المحكومين بشكل تعسفي دون أساس قانوني مثلما هو الحال في قضية محمد الملا وبدر البحري وعبدالله الحلو والنجار، قصد زجرهم عن التعبير بحرية وعرض مواقفهم من بعض القضايا الداخلية ببلادهم، ويحاول النظام جعلهم عبرة لغيرهم ممن يفكر في معارضته حتى وإن كانت النتيجة معارضة مدنية سلمية.

البدائل الحقيقية لتأطير المعتقلين المنتهية أحكامهم:

يجب التمييز بين السجن كمؤسسة عقابية و مراكز المناصحة و الإرشاد والتأهيل كمؤسسات إصلاحية.

لا شك أن نجاح المؤسسات الإصلاحية يتوقف على نجاحها في تحقيق أهدافها الحقيقية عبر مد يد العون إلى من أنهوا فترة سجنهم خاصة من هم مسجونون دون وجه حق.

ينبغي التعاون بين هذه المؤسسات والدولة في القيام بدورها الإصلاحي والاعتناء بالمعتقل كإنسان كامل الحقوق والواجبات وعدم مواصلة الانتقام منه أو معاقبته أو حرمانه أو التنكيل به.

على المؤسسات الإصلاحية أن تنهض بدورها في إشباع الاحتياجات النفسية والاجتماعية وتوفير الأمن النفسي والعمل على إكساب المهارات الاجتماعية للمعتقلين وتأكيد ذواتهم وإعادة الثقة لهم حتى يستعيدوا دورهم من جديد في المجتمع وضرورة تحويلهم من طاقة معطلة إلى طاقه نشيطة قادرة على الإفادة.

كما يجب أن تتوفر في هذه المراكز الرعاية الصحية اللازمة والفحص الدوري ومراقبة الصحة البدنية والعقلية فالمؤسسة التأهيلية ينبغي أن تكون أشبه بالبيت حتى يستعيد الشخص فيها حالته الطبيعية وتتوفر له البرامج البديلة عن حياة السجن لأن السجن عادة ما يترك لدى الشخص بعض الآثار النفسية الناتجة عن عدم قدرة الشخص عن التكيف مع بيئة السجن وكثرة الانتهاكات والمعاملة السيئة والحرمان من الحرية وتفكيره في مصيره ومصير أسرته وفي مستقبله الوظيفي ومكانته الاجتماعية. كل ذلك قد يجعله يعيش حالة من الاكتئاب والشعور بالغبن.

و لعلاج ندوب السجن فإن الاحتواء والمعاملة السوية للفرد في هذه المراكز بمرافقة مختصين اجتماعيين ونفسيين وأطباء يعين المعتقل من جديد على مواجهة المتغيرات التي تنتظره في الخارج ومواجهة  المجتمع الذي عادة لا يقبله أو ما يعرف ب”صدمة الإفراج” خاصة وأن دولة مثل الإمارات ترسم عبر ما تبثه في الإعلام صورة سلبية ومحرّفة عن معتقلي الرأي.

التوصيات:

• مازال ملف المعتقلين المنتهية أحكامهم لا يحظى بالاهتمام الكافي من المنظمات الدولية فالحملات الحقوقية أغلبها تهتم بالمعتقلين ممن لم ينهوا محكوميتهم. لهذا سلط مركز الإمارات لحقوق الإنسان الضوء على قضيتهم ويدعو باقي المنظمات إلى مظافرة الجهود من أجل الضغط على السلطات وفتح ملفهم.

• إذ يخشى المركز أن يكون هذا الاعتقال التعسفي وسيلة انتقامية لدى السلطات ضد معتقلي الرأي مما يعني أنه سيطال آخرين منهم قد قاربت محكوميتهم على الانتهاء ولذلك يشدد على ضرورة أن تُبدي السلطات نوايا حسنة وهي التي ترفع شعاريّ السعادة والتسامح في كل المحافل الوطنية والدولية وتنهي هذا الإجراء التعسفيّ ويدعو للإفراج الفوري اوللامشروط عن كل معتقلي الرأي مع البدء بالإفراج عن المنتهية محكوميتهم.

• كما يحذر المركز من أن الإبقاء على المنتهية أحكامهم في حالة عدم سراح يعرضهم أكثر للانتهاكات مع الخوف على صحتهم النفسية والجسدية في ظل أزمة “كورونا”.

• القطع مع سياسة الاعتقال التعسفي وضمان عدم تطبيقها ضد سجناء آخرين دون سند أو موجب قانوني واضح ووقف الاعتقال والتوقيف في أماكن سرية دون توجيه تهمة حيث يتعرض المعتقل للإساءة و التعذيب و الانتهاكات خلال هذه الفترة.

• تغيير القوانين وتنقيح بعضها حتى يضمن المعتقل حقه في الحرية بعد انتهاء فترة سجنه ويضمن حقوقه داخل السجن وعدم تسخير القانون لجعل المنتهية أحكامهم يخضعون للمناصحة وهو ما يعني في الواقع احتجازا تعسفيا.

• الكف عن إيداع المنتهية أحكامهم بمراكز للمناصحة وتعمّد الخلط بينهم وبين من ارتكبوا جرائم إرهابية، والتعجيل بتعديل القانون رقم 7 لسنة 2014 لجعله متطابقاً مع المعايير الدولية وتنظيم مراكز المناصحة بضبط تركيبتها وصلاحياتها ووضعها تحت إشراف قضائي نزيه ومستقل وضمان سبل التظلم القضائي وغير ذلك من الضمانات.

• يتعين على القضاء أن يوضّح منذ إصدار الحكم على المتهم المدة المحددة التي يقضيها المتهم المنتهية محكوميته داخل مركز المناصحة وضمان حيادية القضاء وعدم خضوعه لتدخلات جهاز أمن الدولة.

• تغيير إشراف مراكز المناصحة وجعلها مؤسسات اجتماعية أو جمعيات يشرف عليها مختصون دون غيرهم.

• السماح للمراقبين الدوليين بزيارة السجون ومراكز المناصحة و إخضاعها إلى الرقابة و السماح للمقرّر الأممي الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب بزيارة مراكز المناصحة بالإمارات لمعاينة مدى إحترام السلطات للمعايير الدولية.

• التوقف عن تلفيق التهم لمن أنهوا فترة سجنهم ومحاولة محاكمتهم من جديد وعدم تشويههم إعلاميا ووصفهم ب “الإرهابيين”.

• إغلاق جميع السجون السرية في الإمارات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى