الإمارات94… مرور سبع سنوات على قمع العشرات من النشطاء في الإمارات في محاكمة غير عادلة

“الإمارات94” إرث حقوقي سيّء في تاريخ الإمارات

صار تاريخ 2 يوليو من كل عام ذكرى أليمة لبدء المحاكمة الجماعية المعروفة إعلاميا بقضية “الإمارات 94” وحيث تمرّ السنة السابعة على ذلك اليوم، فان القضية تزداد رسوخا في الذاكرة الحقوقية ويتجدد معها الرفض لكل ماتعرّض له ضحايات تلك المحاكمة من ظلم صارخ انتهك حقهم في العدالة والحرية الى اليوم. 

يعتبر مركز الإمارات لحقوق الانسان أن محاكمة العشرات من دعاة الإصلاح في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن بينهم عدد من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان، والقضاة، وأساتذة الجامعات، والمحامون والطلبة والمدونون وغيرهم ممن مارسوا حقهم بشكل سلمي في المطالبة بالإصلاح، محطة فارقة في التاريخ الحقوقي الإماراتي تميزت بغياب العدالة وانتهاك استقلالية القضاء ويؤكد أن الإفراج عن كل الذين اتهموا ظلما وصدرت بحقهم أحكام مجحفة وقاسية مطلب اساسي لا تنازل ولا تراجع عنه حتى تتحقق العدالة ويتم انصاف معتقلي الرأي في الإمارات. 

محاكمة افتقرت لكل معايير المحاكمة العادلة

مثل  94 متهماً 4 آذار 2013 أمام دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا، من بينهم ثمانية وُجِّهت إليهم التهم وحوكموا غيابياً؛ وفي هذه المحاكمة الجماعية والتي صارت تعرف اعلاميا ب” الإمارات 94″  وجهت السلطات إلى المدعى عليهم تهمة إنشاء تنظيم يهدف إلى قلب نظام الحكم، غير أنهم أنكروا هذه التهمة بالإجماع. ولم تفِ هذه المحاكمة بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، وكانت محل تنديد واسع من قبل المنظمات الحقوقية وهيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، ومن بينها الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي. فقد قبلت المحكمة أدلة إثبات معظمها “اعترافات” أدلى بها المدعى عليهم أثناء اعتقالهم قبل المحاكمة. وقبل قبول تلك الأدلة، لم تلزم المحكمة الادعاء بأن يثبت بما لا يدع مجالاً لقدر معقول من الشك أن تلك “الاعترافات” قد تم الحصول عليها بالسبل المشروعة، وأن المتهمين قد أدلوا بها بمحض إرادتهم دون إكراه. كما تقاعست المحكمة عن اتخاذ الخطوات اللازمة للتحقيق، أو لإصدار أمر بإجراء تحقيق فوري ومستقل ونزيه وشامل فيما ادعاه المتهمون من أن محققي أمن الدولة قد أجبروهم، تحت وطأة التعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة، على الإدلاء بشهادات كاذبة يجرمون بها أنفسهم أو غيرهم خلال الشهور التي قضوها رهن الاعتقال في أماكن سرية بمعزل عن العالم الخارجي، دون السماح لهم بالاتصال بمحاميهم أو بالعالم الخارجي. كما حُرم المتهمون من حقهم في الطعن في الأحكام الصادرة ضدهم أمام محكمة أعلى درجة؛ إذ ينص القانون الإماراتي على أن القرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا هي قرارات نهائية لا يجوز الطعن فيها.

وفي 2 يوليو/تموز 2013، أصدرت المحكمة أحكاماً بإدانة 69 من المتهمين الأربعة والتسعين، بمن في ذلك الثمانية المحاكمون غيابياً، وببراءة 25. وكان من بين المتهمين كثيرون من الأشخاص المرموقين في شتى مجالات تخصصهم، كالقانون والتعليم والتدريس الجامعي وقطاع الأعمال، فضلاً عن المستشارين الحكوميين. وأصدرت المحكمة أحكاماً بالسجن تتراوح بين سبع سنوات و15 سنة، بحق الكثير من الشخصيات المرموقة، ومن بينهم أستاذ القانون والمحامي البارز المدافع عن حقوق الإنسان الدكتور محمد الركن الذي ألف عدداً من الكتب والمقالات الأكاديمية حول حقوق الإنسان وحرية التعبير وقوانين مكافحة الإرهاب؛ والمحاميان الشهيران الدكتور محمد المنصوري وسالم الشحي؛ والقاضي محمد سعيد العبدولي؛ وأستاذ القانون والقاضي السابق الدكتور أحمد الزعابي؛ والمحامي والأستاذ الجامعي الدكتور هادف العويس؛ والشيخ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي، وهو من كبار أفراد الأسرة الحاكمة في رأس الخيمة؛ ورجل الأعمال خالد الشيبة النعيمي؛ ومدرس العلوم حسين علي النجار الحمادي؛ والمدون والمدرس السابق صالح محمد الظفيري؛ وعبد الله الهاجري، وهو من قادة العمل الطلابي؛ والطالب والمدون خليفة النعيمي، الذي كانت لديه مدونة نشطة قبل اعتقاله، يستخدمها في التعبير عن انتقاده لوضع حقوق الإنسان في الإمارات، والأسلوب القاسي الذي يمارسه جهاز أمن الدولة. 

منعت السلطات خلال المحاكمة  أي تغطية أو تقارير مستقلة عن وقائع المحاكمة؛ إذ لم تسمح لمراسلي وسائل الإعلام الدولية والمراقبين المستقلين للمحاكمة بالدخول، ورفضت السماح لمراقب مستقل موفد من منظمة العفو الدولية بدخول الإمارات قبيل بدء المحاكمة. وأوفدت اللجنة الدولية للحقوقيين اثنين من المراقبين المستقلين لحضور المحاكمة ولكن مسؤولين أمنيين يرتدون ثياباً مدنية ردوهما على أعقابهما قبل وصولهما إلى مقر المحكمة الاتحادية العليا. كما منعت السلطات الإماراتية مراقبة دولية أخرى مكلفة من قبل الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، ومعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان – منعتها من حضور الجلسة النهائية للمحاكمة في 2 يوليو/تموز 2013، رغم ما أفادت به السلطات سابقاً من أنها سوف تسمح لها بالحضور.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2013، أصدر الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي رأياً بشأن قضية “الإمارات 94″، خلص فيه إلى أن حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة قد سلبت المتهمين حقهم في محاكمة عادلة، وهو حق تكفله المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ كما ذهب الفريق العامل إلى أن القبض على هؤلاء الأفراد واحتجازهم ناتجان عن ممارستهم حقوقهم في حرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات أو الانتماء إليها؛ وهي حقوق تكفلها المادتان 19 و20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقال الفريق العامل إن القيود المفروضة على تلك الحقوق لا يمكن اعتبارها مناسبة أو تستند إلى مبرر؛ وأفاد أن القبض على الأفراد الواحد والستين الذين سُجنوا في أعقاب المحاكمة الجماعية واحتجازهم هو إجراء تعسفي، وحث الحكومة الإماراتية على إطلاق سراحهم، وإتاحة التعويض المناسب لهم.

كما منعت السلطات بعض أقارب المتهمين من دخول قاعة المحكمة؛ أما الآخرون الذين سُمح لهم بالحضور فقد تعرضوا للمضايقة أو الاعتقال أو السجن بعد انتقادهم إجراءات المحاكمة، ونشرهم علناً ادعاءات التعذيب التي أدلى بها المتهمون على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي.

انتهاكات قانونية وحقوقية خلال المحاكمة

ان الحق في محاكمة مكفول قانونيا لجميع الأفراد أمام محكمة مشكلة بموجب القانون ذات اختصاص ومستقلة وغير منحازة وهذا حق مطلق وليس عليه استثناءات. وضمن القانون الإماراتي الحق في المحاكمة العادلة وذلك في المادة 28 من دستور البلاد : ” المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية وعادلة”.

كما أنه هناك معايير ذات صلة واردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948وفي مبادئ الامم المتحدة الاساسية لاستقلال القضاء 1980وفي المبادئ الاساسية للأمم التحدة لدور المحامين 1990.

لكن ماحصل في قضية “الامارات94 كشف ان المحاكمة لم تكن مستقلة ولم تتح حرية إجراء المحاكمة بالشكل السليم. فقد تم الامتناع عن تسليم ملف القضية للمعتقلين حتى تاريخ معين كما كانت هناك حملة من التشويه الإعلامي لسمعة المعتقلين  المصاحب للاعتقالات وقبل إصدار الحكم عليهم.
كما لم تم التحقيق فيما تعرض له الضحية من اخفاء قسري لم يكن هناك اعتداد بأقوال المعتقلين من تعرضهم للتعذيب وهو ما يخالف الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب المنضمة لها دولة الإمارات منذ عام 2012.
لم يتم تقديم الأدلة القوية والواضحة لإثبات التهمة على المتهمين ولم بسمح لهم باستئناف الحكم بعد صدوره مما فوت عليهم فرصة الحصول على البراءة .
لقد بدى واضحا وجليا أن تلك المحاكمة قد أدت إلى انتهاكات كثيرة لمعايير حقوق الإنسان المقبولة على نطاق واسع، وأخفقت في الاقتراب حتى من المعايير الاساسية اللازمة للمحاكمة العادلة.

صدى المحاكمة في الوسط الحقوقي

اثارت المحاكمة وكل الاخلالات التي تمت خلالها انتقادات كبيرة من طرف المنظمات الحقوقية التي اعتبرتها ضربة قاسية لصورة دولة الإمارات و”نقطة سوداء” في سجلها الحقوقي وفي منظومة العدالة والقضاء في البلاد. 

فقد اكدت منظمة العفو الدولية أن معتقلي قضية “الإمارات94” هم سجناء رأي، سُجنوا لمجرد ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات. ومحاكمتهم مؤشر لعزم أبوظبي على إسكات دعوات الإصلاح الديمقراطي. المعتقلون معروفون  بالتعبير السلمي عن آرائهم. ولكنهم واجهوا أكبر محاكمة ذات دوافع سياسية في تاريخ دولة الإمارات على الإطلاق. وقالت المنظمة، إن “المحاكمة جائرة وشابها سجل مثقل من انتهاكات حقوق الإنسان”. 

وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “كل ما حققته هذه المحاكمة المهزلة هي أنها كشفت عن أبرز عيوب منظومة العدالة في الإمارات العربية المتحدة، وسلطت الضوء على تصاعد تعصب السلطات في تعاملها مع الأصوات المعارضة”.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “إن إدانة 69 شخصًا من منتقدي الحكومة هو نقطة سوداء في سجل حقوق الإنسان المتدهور في الإمارات العربية المتحدة وفي انتهاكها الخطير لحقوق سلامة الإجراءات. ويجب أن تكون هذه الأحكام الجائرة والجهود التي تبذلها الإمارات لإخماد الانتقادات بمثابة جرس إنذار إلى حلفاء الإمارات الدوليين”.

كما اعتبرت اللجنة الدولية للحقوقيين أن الإجراءات القانونية «لم ترقَ إلى المعايير الدولية للمحاكمة العادلة». وأشارت اللجنة إلى عدم وجود مستشار قانوني مناسب للدفاع، وعدم التحقيق في ادعاءات التعذيب، والاعتماد على الأدلة التي تم الحصول عليها تحت التعذيب.

من جهتها, قدمت “غابرييلا نول” مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، قدمت تقريراً نُشر في 2014م يشير إلى أنَّ النظام القضائي في دولة الإمارات “يخضع لسيطرة فعلية من قبل السلطة التنفيذية”، ودعت إلى استقلال القضاء الإماراتي عن نفوذ جهاز أمن الدولة. وحذر التقرير أنه من دون إجراءات تحقيق في مزاعم التعذيب، سيتم تصوّر أن سلطات الإمارات تنتهك حقوق المواطنين، وأنها تقوض سيادة القانون وسلطة الأمة وتُضر بصورتها الدولية.

ودعت منظمة المحامين الدوليين السلطات الإمارات إلى اتخاذ تدابير عاجلة لضمان إسقاط أحكام الإدانة من حواليْ 90 ناشطاً أُدينوا ضمن قائمة “الإمارات 94”.

في 2014, تضامن العشرات من كبار المحامين البريطانيين مع المحامين والقضاة الإصلاحيين المعتقلين في سجون دولة الإمارات، الذين حكمت عليهم السلطات بأحكام سياسية في الثاني من يوليو2013.

وقالت الرسالة: (نعلن وقوفنا وتضامننا مع المحامين في دولة الإمارات، ونطالب السلطات في الوقت ذاته بالإفراج غير المشروط عنهم وإلغاء تلك الإدانات “المزعومة في حقهم، وعلى دولة الإمارات أنْ تفهم أنَّ اضطهادها لأعضاء المهنة القانونية وتلاعبها بالسلطة القضائية قد شوَّه سمعتها أكثر مما قام بتشويهه قول وفعل صادر من أي مخالف لها في الرأي).

يذكر أن العديد من المراكز والمنظمات الحقوقية دأبت على تسليط الضوء على قضية الإمارات94 في كل ذكرى لها ولم تتطوى القضية الي اليوم حيث  طالبت تلك المنظمات بالافرراج الفوري عن كل المعتقلين الذين سلبوا حريتهم ظلما واثر محاكمة غير عادلة بسبب ممارسة حرية التعبير.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى