تقرير حول محاكمات “الإمارات 94”
يتعرض التقرير على الانتهاكات التي شابت محاكمات مجموعة “الإمارات 94”.. اقرأ التقرير كاملاً.
أيام وتحتفل الأمة العربية والإسلامية بعيد الاضحى المبارك، أيام وتحتفل العائلات بهذه الشعيرة القائمة على الاجتماع والتسامح، ولكن الحال لن يكون كذلك لعائلات يقبع أفرادها خلف القضبان ظلما وزورا.
السجن “شر لا بد منه”. هذا ما يعتقده الجميع تقريبا. لكن، بقدر ما يدور نقاش عالمي اليوم حول فلسفة العقوبة وأغراضها، فإن العالم العربي يسوده منذ عشرات السنين مناخ عام حـوَّل السجون إلى عالم مُظلم ومجهول، لا يقع الحديث عنه إلا عندما يغادره المعارضون لأنظمة الحكم ويكتبون مذكراتهم، أو بعدما سلطت عليه منظمات حقوق الإنسان أضواءها الكاشفة.
وقد نجحت هذه المنظمات مع أواخر التسعينات وبداية القرن الجديد في دفع أكثر من بلد عربي نحو تطوير التشريعات الخاصة بأوضاع السجناء وظروف اعتقالهم. لكن بالرغم من ذلك، بقيت السجون العربية تشكو من معضلات كبرى. فمنذ لحظة إيقاف المعتقل إلى لحظة محاكمته وفترة سجنه، مسار قد تكثر فيه الانتهاكات والتجاوزات. ومن بين الدول التي تكثر فيها الانتهاكات دولة الإمارات، وخاصة في علاقة بملف معتقلي الرأي.
ولئن خصص مركز الإمارات لحقوق الإنسان كثيرا من أعماله للحديث عن المعتقلين وما يطالهم من تعذيب وانتهاك وتسليط الضوء على أوضاعهم وأوضاع السجون والمعتقلات ومراكز المناصحة، فإن هذا التقرير سيتناول قضية الأمارات ومن ورائها قضية المحاكمات الجائرة خاصة وأن أغلب أعمال المراكز الحقوقية تتجه إلى تركيز الاهتمام على السجن والسجون ويبقى الاهتمام بالمحاكمات محدودا أو جزئيا رغم ما فيها من انتهاكات بسبب سريتها ومحاولة السلطات جعلها مغلقة حتى لا تفضح ممارساتها أمام الرأي العام.
ومن المحاكمات الفارقة في تاريخ حقوق الإنسان قضية الإمارات 94، بدء من تلفيق التهم والإيقافات إلى الإدعاءات والمرافعات والشهادات إلى الأحكام، ضمن مسرحية سيئة الإخراج كتب فصولها نظام مستبد بمعارضية ومخالفيه وبكل من يسعى إلى الإصلاح والنهوض بوطنه من خيرة أبنائه.
يتعرض التقرير من خلال هذه القضية لا فقط إلى الانتهاكات التي شابت محاكمات المجموعة وإنما لرسم صورة المحاكمة العادلة والنزيهة القائمة على سلطة القانون لا قوة السلطة.
تعريف المحاكمة
بما أن التقرير يتناول محاكمات مجموعة الإمارات لابد في البداية من تعريف المحاكمة وضبط شروطها حسب القانون الدولي والمعايير الدولية.
المحاكمة تعرف اعتمادا على البعد الإجرائي باعتبارها “مجموعة من الأعمال الإجرائية التي تتابع بنظام معين يفرضه القانون من أجل الفصل في النزاع، وهي تنشأ ابتداء من المطالبة القضائية وتسير من خلال أعمال يقوم ببعضها الخصوم و ممثلوهم ، ويقوم ببعضها القاضي وأعوانه ، وتنتهي عادة بصدور حكم في الموضوع المطالبة (طلب الإفراج مثلا) وقد تنتهي بغير هذا الحكم على شرط أن يتحقق العدل في النهاية.
والعدل هو إحدى الفضائل التي تتلخص في إعطاء كل ذي حق حقه، وهو بدلك يتضمن فكرة المساواة بمعناها العام إذ يتساوى كل ذي مصلحة بحقه و إفضاء ما يجب له. وبما أن العدل الحقيقي لا يمكن بلوغه على الإطلاق وجب وضع آليات أساسية لبلوغ العدل النسبي على الأقل ومنها المحاكمة.
لا يمكن الحديث عن المحاكمة العادلة إلا إذا توفر شرطان: أولا الالتزام بإجراء المحاكمة، من بدايتها إلى نهايتها حسب المعايير المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، و ثانيا من الضروري أن تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة و محايدة.
وعليه يمكن القول بأن حق المتهم في محاكمة عادلة يعني “الإمكانية في مقاضاته بشأن الاتهام الجنائي الموجه إليه، أمام محكمة مستقلة محايدة منشأة بحكم القانون قبل اتهامه طبقا لإجراءات علنية يتاح له من خلالها الدفاع عن نفسه مع تمكينه من مراجعة الحكم الصادر ضده من قبل قضاء أعلى درجة من المحكمة التي حكمت عليه.
وعرفت كذلك: “المحاكمة التي تشتمل في الواقع حقوق المتهم من إحاطته علما بالتهمة إلى الاستعانة بمحام إلى عدم تعرضه لخطر العقاب أكثر من مرة إلى حق الطعن في الأحكام وفي التعويض في حالة إخفاق العدالة، وأن تكون المحكمة حيادية مستقلة لا تأثير عليها.
وعرفت كذلك بأنها ” مجموعة إجراءات التي تتولاها محكمة مستقلة، ومحايدة ومشكلة وفقا للقانون، وأن تتم بصورة علنية إلا ما اقتضته قواعد النظام العام، وأن يسودها مبدأ تكافؤ الخصوم.
معايير المحاكمة تامة الأركان والعادلة
جميع المواثيق الدولية تنص على أن تكون محاكمة المتهم محاكمة عادلة، ومنها المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حتى تكون محاكمة عادلة.
لا يكفي مجرد النص في الدستور أو القانون على الحق في المحاكمة العادلة، لابد زيادة على ذلك أن يلتزم القاضي بضرورة تكريس هذا الحق فعليا في الدعوى التي ينظرها ويفضل فيها، لأن الحق في محاكمة عادلة مقرر لمصلحة القانون ولمصلحة الفرد.فهو المقرر لمصلحة القانون لأن تحقيق محاكمة عادلة يعتبر ضمانة أساسية من ضمانات تطبيق القانون، وبذلك يقوم بوظيفته الأساسية وهي تحقيق الاستقرار والمساواة والعدالة
أما المصلحة المقررة للفرد فهي مقررة للخصوم في الدعوى عموما، وللمتهم خصوصا ذلك لأنها تعد إحدى الحقوق الأساسية للإنسان
الحق في المحاكمة العادلة من الحقوق الأساسية للإنسان.
وهناك جملة من الشروط التي يتوجب توفرها لضمان المحاكمة العادلة بهدف حماية حقوق الناس من لحظة القبض عليهم وأثناء احتجازهم قبل تقديمهم للمحاكمة، وأثناء المحاكمة، ابتدائيا، استئنافيا، ونقضا وهو ما سنرى أنه يتناقض مع محاكمات”الإمارات 94″.
وينص العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية في مادته 14 على أنه : “من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون.
وأي انتهاك للحق في المحاكمة العادلة، يجرمه القانون خصوصا مع تنامي وجود قضايا تؤكد أن هناك ضحايا كثرا حرموا – ويحرمون – بشكل أو بآخر من هذا الحق، وأن هناك من أدينوا – ويدانوا – ظلما بسبب عدم توفر أدنى شروط المحاكمات العادلة في الإمارات وخاصة معتقلو الرأي
ويرد الحقّ في المحاكمة العادلة في اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني. ويعتبر حرمان إنسان محمي من محاكمة عادلة وحسب الأصول، انتهاكاً جسيماً بمقتضى اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، وبمقتضى البروتوكول الإضافي الأول. وتحظر المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكّلة تشكيلاً قانونياً حسب الأصول. كما يندرج حرمان الشخص من حقه في محاكمة عادلة كجريمة حرب في النظم الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية.
شروط محاكمة الأشخاص
الحق في عدم التعرض للقبض أو الاعتقال التعسفي بأي شكل من الأشكال و في أي وضع من الأوضاع ، إذ لا يجوز مطلقا حرمان أحد من حريته إلا لأسباب و وفق شروط و كيفيات ينص عليها القانون الحق في الإبلاغ بالحقوق، فلكل شخص الحق في الإطلاع على ما له من حقوق باللغة التي يفهمها. فحسب المبدأ 13 من مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحماية الأشخاص الدين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاعتقال أو الاحتجاز “على السلطة المسؤولة عن إلقاء القبض أو الاعتقال أن تقوم بتزويد الشخص المقبوض عليه بمعلومات عن حقوقه مع تفسيرها و توضيح كيفية استعمالها.
الحق في توكيل محام، إذ من حق المعتقل توكيل محام للدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات. و قد نص المبدآن 10 و 17 من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة على أن حق المعتقلين الاستعانة بمحام فورا، و بأي حال خلال مهلة لا تزيد عن 48 ساعة من ساعة إلقاء القبض. ومن حقه أن يتشاور مع محاميه دون أن يكون ذلك على مسمع من أحد، و يسري هذا الحق منذ لحظة إلقاء القبض أثناء فترة الاعتقال وأثناء التحقيق وأثناء إجراء المحاكمة.
الحق في إبلاغ أسرة المتهم بنبأ القبض عليه، وهذا ما نصت عليه القاعدة92 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء. إذ من حق المعتقل أن يقوم فورا بإبلاغ أسرته بنبأ اعتقاله مع منحه كل التسهيلات المعقولة للاتصال بعائلته.
الالتزام بإجراء المحاكمة، ابتداء وانتهاء، وفق معايير المحاكمات العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقوانين العامة والخاصة ببلد المحاكمة.
ضرورة أن تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة ومحايدة، ولا سلطان عليها لغير القانون الحق في التحقيق في مزاعم التعذيب إذ أن المادة 13 من اتفاقية مناهضة التعذيب تنص على أن السلطات عليها أن تضمن إجراءات التحقيقات المحايدة على وجه السرعة في جميع مزاعم التعذيب، و أكدت لجنة حقوق الإنسان على ضرورة تولي السلطات التحقيق على وجه السرعة و بروح الحياد في كل شكوى من وقوع التعذيب.
عدم الاستشهاد بالأقوال و التصريحات والاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب وعدم الاستناد عليها. و قد نصت المادة 12 من إعلان مناهضة التعذيب أنه إذا تبث ببيان ما كان بنتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لا يجوز اتخاذ ذلك البيان دليلا ضد الشخص المعني أو ضد شخص آخر في أية دعوى الحق في افتراض البراءة، إذ أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه قانونا في محاكمة علنية تكون قد و فرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. و هذا حق منصوص عليه في مجموعة مبادئ الأمم المتحدة (المبدأ 36) والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 14).
و يجب أن يكون افتراض البراءة ساريا منذ لحظة إلقاء القبض على الشخص حتى يتم تأكيد الإدانة بحكم نهائي بعد استنفاد كل مراحل الطعن في الحكم الصادر. و هكذا فإن عبء إثبات التهمة على المتهم عند محاكمته يقع على عاتق الادعاء. و قد علقت لجنة حقوق الإنسان في هذا الصدد قائلة أن معنى افتراض البراءة هو أن عبء إثبات التهمة يقع على كاهل الادعاء و أن الشك في صالح المتهم, و لا يمكن افتراض أن المتهم مذنب حتى يتم إثبات المتهم بما لا يدع مجالا لأي درجة معقولة من الشك.
الحق في سرعة إجراء المحاكمة العادلة، وهذا ما نصت عليه المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وقد حددت لجنة حقوق الإنسان درجة السرعة في ” أيام معدودة”. وهذا لا يتعلق فقط بالوقت الذي يجب أن تبدأ فيه المحاكمة، بل يتعلق أيضا بالوقت الذي يجب أن تنتهي فيه وصدور الحكم.
الحق في أوضاع احتجاز إنسانية إذ تنص المادة 10 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، على أن كل من يقبض عليه يجب أن يعامل معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصلية في الإنسان, وهذا يفرض فرضا توفير ظروف احتجاز معقولة و أن تحترم حقوق المعتقلين.
الحق في مناقشة الشهود إذ من حق كل شخص أن يناقش شهود الاتهام بنفسه أو من قبل غيره و أن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بنفس الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام (المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية).
الحق في الاستعانة بمترجم، إذ يجب أن يتاح لكل مشتبه فيه أو متهم أن يستعين بمترجم في جميع مراحل الإجراءات القضائية و أثنائها. وهذا ما نص عليه المبدأ 14 من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة و المادة 14 من العهد الدولي.
الحق في عدم إعادة المحاكمة بنفس التهمة إذ لا يجوز تعريض شخص مجددا للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي وفقا للقانون (مراكز المناصحة عقاب جديد للمتهم في دولة الإمارات مثلا حسب القانون الاتحادي رقم 28 الصادر في 2019/04/09).
حق الاستئناف و الطعن إذ لكل شخص حق اللجوء إلى محكمة أعلى لطلب إعادة النظر في قرار أدانته و في العقاب الذي حكم به عليه.
أحكام المحكمة الاتحادية العليا تنافي هذا الحق فالمادة 67 تنص على:
– تكون احكام المحكمة العليا نهائية وملزمة للكافة ولا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن وذلك فيما عدا الأحكام التي تصدر غيابيا فى المواد الجزائية فيجري في شأن الطعن فيها بطريق المعارضة الأحكام المنصوص عليها فى القوانين المنظمة للاجراءات الجزائية .
– الحق في المساواة أمام القانون، باعتبار أن كل الناس متساوون أمام القانون دون تمييز على أي أساس، فلا يجوز محاكمة شخص بصورة استثنائية مخالفة لأصول المحاكمات الجزائية الواجب إتباعها بالنسبة لعامة الناس.
– الحق في علانية المحاكمة، وهو مبدأ أصيل من مبادئ المحاكمات العادلة، يكفل توفر رقابة معقولة من قبل الصحافة والإعلام والرأي العام، على مجريات وإجراءات المحاكمات وعدم انتهاك حقوق المتهمين في المحاكمات العادلة.
علاوة على مختلف هذه الحقوق والمبادئ يظل استقلال القضاء يمثل إحدى الضمانات الجوهرية لمقاربة تحقيق المحاكمة العادلة. فلا يمكن أن تتسم المحاكمة بالعدالة و الإنصاف و لن يعتبرها الناس منصفة، إذا كان القضاة الذين يصدرون الأحكام و يوزعون العقوبات يفتقرون إلى الاستقلال و النزاهة و الحياد ولا يتصفون بالبعد عن التحيز، مهما كان الأمر و مهما كان الظرف و مهما كان المعني. لهذا السبب أكدت لجنة حقوق الإنسان على حق المحاكمة أمام محكمة مستقلة و محايدة كحق مطلق لا يجوز بأي حال من الأحوال استثناء أي أحد منه.
معنى هذا أن القضاء يجب أن يتمتع وحده بسلطة الفصل في القضايا المحالة عليه و يتوجب أن لا تتعرض الهيئة القضائية- سواء كأفراد أو كهيئة- لأي تدخل من أي نوع كان ومن أية جهة كانت في عمله.
كما يجب أن يتمتع القضاة بحرية الحكم في المسائل المعروضة عليهم استنادا إلى الحقائق الثابتة بموجب القانون ولا شيء غير القانون، بعيدا عن تأثيرات التدخل أو التعليمات سواء من طرف فرع من فروع السلطة أو الحكومة أو الأفراد بصفتهم الشخصية أو اعتمادا على مواقعهم. هذا الأمر يتعارض مع القانون الاتحادي في مادته 7 “يكون تعيين رئيس وقضاة المحكمة العليا بمرسوم يصدر من رئيس الدولة بعد موافقة مجلس الوزراء وتصديق المجلس الأعلى للاتحاد. وتكون أقدمية القضاة من تاريخ المرسوم الصادر بالتعيين وطبقا للترتيب الوارد”.
أما الحياد فيعني أن على القاضي أن لا يكون له رأي مسبق عن أية قضية أو ملف ينظر فيه، و أن لا تكون له مصلحة في مآل أو نتيجة التي ينتهي إليها النظر في القضية و ألا يسلك سبيلا يرجح مصلحة طرف على طرف آخر. علما أنه يجب أن تتاح له شروط العمل بعيدا عن أي تأثير من الهيئات الحكومية و بعيدا عن وسائل الإغراء و الضغط أو التهديد.
و مهما يكن من أمر فإن تركت الساحة للتدخل السياسي فان هذا من شأنه أن يقود إلى تقويض سيادة القانون، و بدلك تتجمع شروط و ظروف انتهاك حقوق الإنسان بمنأى عن العقاب. و في ظل هدا الواقع يشعر نفاد القانون بأن لهم حرية في احتجاز الأفراد عشوائيا و أنهم يستطيعون تعذيب المشتبه فيهم دون خوف من المحاسبة أو العقاب. وهكذا يسود بين المواطنين شعور مفاده أنه لا ملاذ يمكن اللجوء إليه لطلب الإنصاف و تكريس العدالة كما حصل في قضية “الإمارات 94”.
محاكمات “الإمارات 94”
في خضم الربيع العربي، سعى عشرات الناشطين الإماراتيين إلى الدعوة إلى إصلاح أوضاع بلدهم على غرار ما يحصل في الدول المتقدمة، فشاركوا في التوقيع على عريضة وطنية في الثالث من مارس 2011 موجهة لرئيس الدولة، الغاية منها توسيع المشاركة الشعبية في الترشح والانتخاب للمجلس الوطني والقيام بإصلاحات جزئية. وكانت دعوات الإصلاح من جمعية “دعوة الإصلاح” أو غيرها سلمية.
وهؤلاء المنتقدون والمطالبون بالإصلاحات ليسوا من هواة المعارضة المبتدئين بل هم مسؤولون ومحامون ومثقفون ورجال أعمال وأكاديميون وناشطون، معظمهم كانوا من رجال الدولة، أسماء كبيرة مثل الشيخ الدكتور سلطان القاسمي والمستشار الدكتور محمد المنصوري والمستشار الدكتور محمد الركن والشيخ حمد رقيط والخبير التربوي أحمد بن غيث السويدي وعبد الرحمن الحديدي، والدكتور الشيخ محمد عبد الرزاق الصديق والشيخ الداعية عبد الرحمن بن صبيح السويدي، والقاضي أحمد الزعابي، وخبير التنمية البشرية الدكتور علي الحمادي، والعشرات من هذه الأسماء المحفورة في تاريخ ووجدان الإماراتيين
بعد هذه الدعوات بدأت فصول المأساة، إذ شرع جهاز الأمن في أبريل 2012 في حملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من الناشطين الإماراتين، وقدمتهم للمحاكمة أمام دائرة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا، وتمت مقاضاتهم بتهمة “تشكيل جهاز سري لقلب نظام الحكم”. وتم الحكم على المعتقلين ما بين (7-10-15) سنة ومصادرة أموال وممتلكات وإغلاق مراكز بحوث وإعلام وتدريب إداري، ذنبهم أنهم نادوا بإجراء مجموعة معتدلة نسبيًا من الإصلاحات الديمقراطية، وبنوا مطالبهم على دستور دولة الإمارات وطالبوا بمجلس وطني اتحادي منتخب بالكامل مع سلطات تشريعية كاملة بنظام الاقتراع العام، وتخفيف القبضة الأمنية، ومراعاة حقوق الإنسان الأساسية ضمن الإطار الحالي للملكية الدستورية.
التجاوزات والخروقات
في مطلع مارس 2013، أحيل المعتقلون إلى المحكمة الاتحادية العليا، واتهموا بالتخطيط للانقلاب على الأسرة الحاكمة في الإمارات. وكانت السلطات الإماراتية قد اتهمت المعتقلين بانتمائهم لجمعية سرية، غير أنها معروفة لدى جميع الإماراتيين، وقد تأسست عقب تأسيس دولة الإمارات مباشرة، أي أنها بعمر الدولة، وقد حصلت على الترخيص والدعم المالي من قبل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في عام 1974.
في هذه المحاكمة السياسية، مُنعت وسائل الإعلام الدولية والمراقبون القانونيون من حضورها، وُجه الاتهام إلى 94 شخصًا بمحاولة إنشاء حكومة موازية؛ بهدف الإطاحة بالحكومة الإماراتية واستمرت فصول هذه المحاكمة الجماعية نحو أربعة أشهر، مثلت مرحلة جديدة من القمع الكامل لأي صوت ينتقد جهاز أمن الدولة مهما كان بسيطاً واجه فيها المعتقلون شهورا في الاختفاء القسري، وأكدوا تعرضهم للتعذيب مع رفض سلطات أبوظبي إجراء أي تحقيق. وتضمنت المحاكمة نحو 13 امرأة. وصدرت الأحكام فيها بتاريخ 2 يوليو 2013. و انتهت المحاكمة بإدانة 69 مواطنًا إماراتيًا من مختلف المشارب السياسية والمعتقدات الأيديولوجية، وكانت قضية الإمارات 94 تمثل بداية النهاية لحركة الديمقراطية قصيرة الأمد في الإمارات، والتي بدأت تجد صدى لها تردد في جميع أنحاء المنطقة في عام 2011.
طوال عام 2012 جرى توقيف الموقعين على العريضة في مداهمات ليلية من قبل مسؤولين أمنيين في ثياب مدنية، وجرى احتجازهم دون أوامر اعتقال. وطبقًا لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، فإن 64 شخصًا من أصل 94 احتجزوا في أماكن لم يكشف عنها لمدة تصل إلى عام في بعض الحالات، دون السماح لهم بالاتصال بمحام أو بزيارات عائلية.
وفي تقرير صدر بعد المحاكمة، خلصت اللجنة الدولية للحقوقيين إلى أن الإجراءات القانونية «لم ترقَ إلى المعايير الدولية للمحاكمة العادلة». وأشارت اللجنة إلى عدم وجود مستشار قانوني مناسب للدفاع، وعدم التحقيق في ادعاءات التعذيب، والاعتماد على الأدلة التي تم الحصول عليها تحت التعذيب.
لم يكتف جهاز أمن الدولة بالقمع والسجن والتعذيب قبل وبعد المحاكمة، بل إنه تعمد ارتكاب الانتهاكات في السجون الرسمية، وأكثر من مرة لجأ المعتقلون في القضية إلى الإضراب عن الطعام، الذي يستمر عدة أسابيع لكن السلطات لا تستجيب لأي وقف لتلك الانتهاكات وتكون الانتهاكات خليطا من الاستفزاز والتفتيش الحاط بالكرامة والمنع من النوم والزنازين الانفرادية، إضافة إلى المنع من الزيارة أو الاتصال بشكل دائم
ورغم إنكار المعتقلين للتهم الموجهة إليهم جملة وتفصيلا، وعدم توافر أدلة تثبت سعيهم لقلب نظام الحكم، فإن السلطات الإماراتية مضت في اتهامها لهم، ونفذت في حقهم أقسى عقوبة، بالسجن لعدة سنوات، وفي ظروف اعتقال سيئة تفتقد لأدنى شروط الآدمية.
من ناحية الدفاع قالت مصادر مطلعة إن المحامين والمتهمين لم يتمتعوا بوقت كاف لمساءلة الشهود، وأن القاضي تدخل، في مناسبة واحدة على الأقل، لمنع كاتب المحكمة من تسجيل شهادة في السجل الرسمي للمداولات يمكن أن تؤدي إلى التبرئة. كما قالت نفس المصادر إن القاضي رفض طلبًا تقدم به أحد المحامين للتحقيق في مزاعم متعلقة بتزوير توقيعات بعض المعتقلين على وثائق مقدمة من النيابة.
وقذ علق الناشط الإماراتي حمد الشامسي قائلا: إن “الانتهاكات صاحبت القضية منذ بدايتها وقد شاركت فيها مؤسسات رسمية مختلفة كالنيابة العامة التي تورطت بالتستر على انتهاكات جهاز أمن الدولة، وكذلك القضاء الذي رفض التحقيق في التعذيب الذي تعرض له المعتقلون في مقرات أمن الدولة”.
وأضاف الشامسي “طردت وزارة الداخلية ممثلين عن المنظمات الحقوقية، وعمل الإعلام الرسمي الحكومي على تشويه المتهمين وأهاليهم”.
وتابع: “تورط في ذلك مسؤولون وسياسيون كبار كعبد الله بن زايد (وزير الخارجية) في تغريدة له نشرها في 15 يوليو 2012، وضاحي خلفان نائب القائد الأعلى لشرطة دبي سابقا وأنور قرقاش وزير الشؤون الخارجية، عبر توجيههم الرأي العام ضد المعتقلين”.
وقد كان الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، وهو رئيس الجمعية، وأحد أبرز المعتقلين الـ94، ممن سعوا للحصول على الترخيص للجمعية، وأبرز الناشطين فيها منذ نحو خمسة عقود، ويحظى بثقل اجتماعي لدى المجتمع الإماراتي صاحب أبرز مواقف المحاكمة، إذ قام بمرافعة تاريخية حول لائحة اتهامات نيابة أمن الدولة، داحضا “المزاعم” الواردة فيها بالدليل، مؤكدا منذ البداية أن جهاز الأمن لا يأبه بأي دليل أو توضيح حول دفوع المعتقلين كونه اتخذ قرارا بالمضي في هذه المحاكمات حتى النهاية.
وقال الشيخ، “اتهمتنا نيابة أمن الدولة، بدون دليل معتبر، بأننا أسسنا تنظيماً يهدف إلى الاستيلاء على نظام الحكم في الدولة. وهذا افتراض خاطئ فيه إهانة لنظام الحكم في دولة الإمارات، كونه يصوره بأنه نظام ضعيف، آيل للسقوط، وسهل الاستيلاء عليه، وهذا افتراض متهافت، لا نقبله”.
وأضاف، “إن شعب الإمارات الأصيل، شعب قوي متماسك لا يمكن أن يفرط بقيادته الرشيدة أو يسمح لأحد أن يتعدى عليها، وفي نفس الوقت لا يمكن أن يفرط بفرد واحد من أبنائه بناءاً على تهمة لا أساس لها”
وعد الشيخ القاسمي جهاز أمن الدولة كغيره من الأجهزة التنفيذية الأخرى التي لا تعلو على المحاسبة والنقد والتصحيح في حال انحرافه أو تقصيره.
ودحض الشيخ سلطان، شبهة عدم الولاء للدولة، قائلا،” إن ولاءنا لربنا ثم لولاة الأمر ليس تكتيكاً بل هو ثابت من الثوابت الشرعية في دعوة الإصلاح، فحكامنا، يعتبرون خطاً أحمر، لا يجوز تجاوزه بأي حال من الأحوال. ولهم علينا حق الطاعة والنصح بالمعروف”.
واختتم الشيخ القاسمي مرافعته التاريخية بالقول،” إن الوطنية الحقيقية ليست قولاً باللسان فحسب، بل لابد أن يصدقه الفعل والعمل، وتظهر مكانتها الحقيقية لدى المواطن إذا اختبرت بالبلاء ومواقف التضحية”
من جهته قدم الخبير القانوني الدكتور محمد عبدالله الركن، أحد أبرز المحامين الدوليين في الإمارات، وأستاذ القانون الدولي والمعتقل على ذمة القضية منذ 16 يوليو 2012، مع ابنه راشد الركن ، وصهره رئيس الاتحاد الوطني لطلبة الإمارات عبدالله الهاجري مرافعة من أبرز ما قال فيها “ما مررنا به على مدى 10 أشهر، ليس بالأمر السهل أو الهين، فالمعتقل ليس 5 نجوم كما زعموا ، ليس هينا أن تعصب أعيننا ونمد أيدينا من تحت باب الحمام عراة نستجدي الصابون.”، وقال “ليس سهلا على نفس الحر أن يسمع بأن ابنه حافظ القرآن ينتف شعر صدره”.
وقال :” ليس سهلا على نفس الحر أن يسمع أن أهله يقفون في نوفمبر تحت حرارة الشمس وهم يكبرون طلبا لرؤية معتقليه”
وأشار إلى أن بعض أفراد أجهزة الأمن،تعاطف معه بقولهم: ” أنتم درر ليس هذا مكانكم”.
وتحدث عن ظروف اعتقاله في الشارع العام عندما حاصرته 10 سيارات، في مشهد يشبه أفلام “الأكشن الهوليودية ” وضع على أثرها في تابوت في الجبس الأسود.
وأنكر كل التهم، وطالب بالبراءة استنادا للقانون، و لأسباب ذكر منها:
أولا لم تكشف النيابة وهم إخوة أعزاء، أي دليل أو أمر.
ثانيا أركان الجريمة غير متوافرة، واستحالة الجريمة، فيستحيل تحققها بسبب الهدف والوسائل والأفراد، فالأفراد منهم من ينظر في أمر الإحالة وما ورد فيها من وظيفته أنه لا يعمل، ومنها ربة منزل ومنها موظف سابق، الثلثين لا يعملون فكيف يخترقون أجهزة الدولة؟
ثالثا في الدستور نقول أنها دولة الإمارات العربية المتحدة أي مركبة، فيستحيل تفكيكها وقلب نظام الحكم فيها ،أما مصر وتونس والأردن، فهي دول بسيطة لديها حكومة مركزية واحدة، أما الاتحادية فالحكم مجزئ في سبع أنظمة، ومن أراد أن يقلب نظام الحكم، عليه أن يقلب السبعة جميعها، وهذا مستحيل، فانتفى شرط القدرة.
واستطرد الدكتور الركن بخصوص ركن القدرة شارحا : فهو منتف لاستحالته، وهذه الاستحالة ليست في أذهان المعتقلين فقط، بل حتى في أذهان الإخوة من جهاز أمن الدولة.
جهاز الأمن في شهادة أحد شهود الإثبات ، ذكر أنه يراقب رجال الدعوة منذ عام 1994، وأول إذن لمراقبة 309 أشخاص من منتسبي الدعوة ، كان بتاريخ 16/ 5/ 2010، أي قبل 3 سنوات، ويطلب من النائب العام الإذن بالمراقبة ، ولم يذكر أن هؤلاء لديهم أهداف من بينها قلب نظام الحكم، والاستيلاء عليه.
ومنهم أحمد غيث الذي كان في يد الجهاز منذ تاريخ 25/ 3/ 2012، وكان رجلا ذا عقلية كبيرة ومتزنة ومحلل مالي قدير، و أحمد غيث الذي رأيته هنا في قاعة المحكمة يختلف تماما عن شخصه.
ظل تحت قبضة الجهاز في سجن سري ، طوال هذه الفترة حقق معه 8 مرات، من الأولى إلى الخامسة لم يتم ذكر الاستيلاء على الحكم، وفجأة وفي التحقيق السادس بتاريخ 2012/05/08 تذكر أن هدف الجماعة الاستيلاء على الحكم، وبعد شهر ونصف من حبسه.
أصبح لدى الأمن مستند باعتراف أحمد غيث على الاستيلاء بعد أن أنهكه التحقيق، وقام جهاز الأمن في 16/ 5، أي بعد مرور 8 أيام على الاعتراف المذكور، وتقدم بإذن للنائب، ويطلب فيها مراقبة بريد اليكتروني لأنه يتبع جماعة ذكرت أهدافها، ولم يكن من ضمنها فكرة أو هدف الاستيلاء على الحكم.
هذا يدل على أن الجهاز نفسه، لم يدخل في عقله فكرة الاستيلاء ،وأن هناك من يسعى لقلب نظام الحكم، فهي مستحيلة.
وهكذا فوفق مرافعة القاسمي والركن ووفق إفادات المعتقلين، فإنهم قد تعرضوا لصنوف التعذيب النفسي والجسدي ولعشرات الانتهاكات، منها الإخفاء القسري لمدة 8 أشهر في سجون سرية، والامتناع عن تسليم ملف القضية لهم، والتزوير في أقوالهم، والإهمال الطبي والإذلال المتعمد والإهانات التي تهدف للنيل من الكرامة والآدمية، بالإضافة إلى تعذيبهم في السجون الانفرادية، وكان المعتقلان أحمد غيث وأحمد الزعابي من أبرز من تعرضوا للتعذيب.
كما لم تسلم عائلات المعتقلين من التضييقات وصلت حد السجن ففي إبريل 2013، أصدرت إحدى المحاكم حكماً بالسجن لمدة 10 شهور على عبد الله الحديدي – نجل عبد الرحمن الحديدي الذي أدين في قضية الإمارات 94 بتهمة نشر تفاصيل إجراءات المحاكمة بغير أمانة وبسوء نية، بعد أن انتقد إجراءات المحاكمة على تويتر؛ وأفرج عنه في نوفمبر 2013.
كما اعتُقل المدون والناشط على الإنترنت عبيد يوسف الزعابي، شقيق الدكتور أحمد الزعابي، في يوليو 2013، ثم في ديسمبر 2013، ولوحق جنائياً بعدة تهم تتعلق بما نشره من تغريدات على تويتر بشأن المحاكمة، ومن بين هذه التهم التشهير بحكام دولة الإمارات باستخدام عبارات تحط من شأنهم، وتتهمهم بممارسة القمع ونشر أفكار وأخبار تهدف إلى السخرية من نظام الحكم و الإضرار بسمعته. وفي يونيو 2014، صدر حكم ببراءة عبيد يوسف الزعابي من جميع التهم الموجهة إليه، ولكن السلطات لا تزال تحتجزه بصورة تعسفية، رغم عدم وجود أي أساس قانوني يبرر حرمانه من حريته؛ ولا يزال قابعاً في عنبر السجناء بمستشفى مدينة الشيخ خليفة الطبية.
إضافة إلى ذلك، تم منع المنظمات الحقوقية من حضور المحاكمة، وكانت منظمة العفو قد قالت: إن السلطات الإماراتية منعت ممثلها المحامي الكويتي أحمد الظفيري من دخول الإمارات لمراقبة المحاكمة.
علاوة على ذلك، فقد جرى منع المراقب القانوني ونوومي غروتاز، الممثل عن مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان (مقرها جنيف)، بالإضافة إلى منع عدد من المراقبين الدوليين، الذين تمكنوا من دخول الإمارات من حضور المحاكمة، بالرغم من التزامهم بالإجراءات القانونية، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وكانت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش قد علقت على منع المراقبين بالقول: “يزيد منع المراقبين المستقلين والأقارب من دخول المحكمة، من الشكوك التي تحوم حول أسباب إخفاء السلطات كل ما يُقال ويُفعل داخل قاعة المحكمة”.
وأضافت ويتسن: “إذا كانت السلطات الإماراتية قادرة على تقديم أدلة مقبولة ذات مصداقية على أن المتهمين ارتكبوا جرائم؛ فلماذا تسعى إلى الحفاظ على سرية المحاكمة؟
رفض دولي للمحاكمات
عند إصدار الأحكام السياسية بحق المعتقلين أدانت المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان هذه الفاجعة بحق الإنسان الإماراتي، حتى أن الخارجية الأمريكية طلبت توضيحاً حول الأمر، وذكر تقريرها عدة مرات أوضاع المعتقلين السياسيين داخل الإمارات والظروف السيئة؛ تصاعدت حِدة الانتقادات ووصفتها منظمة العفو الدولية أكثر من مرة إنها “دولة شريرة”.
وأكد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم، عام 2015 أن قرارات المحاكم تخضع للتدخل من قبل القيادة السياسية وتتأثر بالمحسوبية. وأفاد بوجود تقارير تؤكد تدخل جهاز أمن الدولة في الشؤون القضائية.
كما أكدت المقررة الأممية “غابرييلا كنول”: أن النظام القضائي في الإمارات “يخضع لمراقبة فعلية للسلطة التنفيذية للحكومة”، وأعربت عن قلقها حول “الادعاءات الخطيرة حول انتهاك معايير وضمانات المحاكمة العادلة في الإمارات”.
وكتبت الناشطة الحقوقية “ليه ستشولز” على موقع “هيومن راتيس فيرست” عن محاكمات الناشطين في الإمارات، قالت فيه: “احتمال محاكمة عادلة في ضوء معاملة السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي هو أمر غير ممكن و لا يمكن تصوره”.
وأكدت “أن جهاز أمن الدولة يحاكم المدنيين الأبرياء باسم مكافحة الإرهاب. هؤلاء المعارضون السياسيون والنشطاء، يتعرضون للاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والانعدام التام للإجراءات القانونية الواجبة. وكثيرا ما تستخدم النيابة اعترافات تعذيب من المتهمين لإدانتهم بتهم ملفقة، في كثير من الأحيان تكون أيضا مسيسة، في المحاكمات التي عادة ما تكون مغلقة أمام المراقبين الدوليين”.
وبحسب منظمة حقوق الإنسان في تقرير لها فإن “العديد من المعتقلين ينتمون إلى منظمة إماراتية تُسمى جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، وهي حركة لا عنفية انخرطت في حوار سياسي سلمي في الإمارات منذ سنوات عدة”.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد كتبت في تقرير لها: “يبدو أن السلطات الإماراتية ستخضع العشرات من مواطنيها لعملية قضائية غاية في الظلم لا يقال عنها إلا أنها استهتار بالعدالة”.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد نقلت عن المحامية المتخصصة بالحريات العامة، جيني باسكوريلا، أنها بعد عدة دعوات، تمكنت من مراقبة جلسات محاكمة خمسة متهمين، ودرست جميع وثائق القضية وعلقت قائلة: “اتسمت هذه القضية بكثرة العيوب القانونية والإجرائية منذ بدايتها، وهو ما جعلها غير عادلة بما يصب إلى حد بعيد في صالح النيابة”.
وقالت باسكوريلا: “يجب على السلطات الإماراتية أن تُبدي التزامها المبدئي بالمعايير القانونية الدولية، وذلك بالإفراج عن الناشطين دون تأخير وإجراء مراجعة مستقلة للكيفية التي جرت بها مقاضاتهم وأسبابها استنادا إلى هذه التهم المسيّسة بشكل واضح”
وقد دعا التحالف المكون من منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة الكرامة، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، إلى فتح تحقيق في ادعاءات التعذيب، والسماح لعامة الناس بحضور جلسات المحاكمة.
ورغم هذه الأصوات في الداخل والخارج فقد صمت السلطات آذانها وواصلت نهج عقاب أبرياء أرادوا الإصلاح مازالوا إلى اليوم يعانون الظلم والتعسف.
التوصيات
لم يحصل إجماع في الداخل الإماراتي والخارج الدولي ولدى المنظمات والمراكز الحقوقية والأفراد مثل الإجماع على تهافت هذه المحاكمة وبراءة المتهمين فيها. وإذ يضم مركز الإمارات لحقوق الإنسان صوته إلى كل المنادين بالإفراج عن كل المعتقلين فإنه يدعو إلى:
-
التوجه بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في هذه الانتهاكات وتوضيح الحقيقة وإقرار العدالة ورد الحقوق إلى أهلها.
-
محاكمة كل من تسبب في حدوث هذه الانتهاكات وتلك الممارسات التي شوهت سمعة الدولة وهددت نسيجها الوطني.
-
إغلاق السجون السرية في الإمارات وتحسين خدمات السجون العامة لتحقيق الحياة الكريمة للنزلاء.
-
إلزام الجهات المختصة بتطبيق المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب
-
إعادة الجنسية لمن أُسقطت جنسياتهم من دعاة الإصلاح.
-
تشكيل هيئة وطنية مستقلة للحيلولة دون تكرار حدوث هذه الانتهاكات
-
تمكين دعاة الإصلاح من القيام بواجباتهم تجاه مجتمعهم ووطنهم وتحقيق رسالتهم التي باركها الآباء المؤسسون للاتحاد رحمهم الله تعالى.
-
ضمان إجراء تحقيقات سريعة ومستقلة وغير منحازة في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة، والاختفاء القسري، والانتهاكات الخطيرة الأخرى لحقوق الإنسان، وتقديم مرتكبيها إلى العدالة في إجراءات تتناسب مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
-
توفير فحوصات طبية مستقلة صادرة عن الطب الشرعي للمتهمين الذين قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب.
-
استبعاد أية أدلة من المحاكمة كان قد تم الحصول عليها تحت وطأة التعذيب.
-
ضرورة إيقاف الانتهاكات والمضايقات بحق أسر المعتقلين والتي تشمل سحب الجنسية ورفض تجديد الأوراق الرسمية وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية لما في ذلك من تجاوز يتنافى مع قوانين الدولة والنظم البشرية والأعراف وحتى المعاملة الإنسانية.
-
السماح لعامة الناس، بما في ذلك أهالي المتهمين ووسائل الإعلام الدولية والمراقبين الدوليين، بحضور جلسات المحاكمة على المستوى التشريعي ضرورة مراجعة القوانين لأن السلطات وجدت هذا تعبيرًا في كل من قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2012، وتشريع مكافحة الإرهاب لعام 2014. وقد وفرت هذه القوانين – المصاغة بشكل غامض – أساسًا قانونيًا للنظام لسجن منتقدي الحكومة. منذ سن تلك التشريعات تعرض عشرات الأشخاص في الإمارات للاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، وتعرضوا في العديد من الحالات للتعذيب.
-
ضمان تمكين ضحايا التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي من التعويضات اللازمة، ويبقى أهم مطلب الإفراج الفوري واللامشروط عن كل المعتقلين بدء بمعتقلي “الإمارات 94″ خاصة مع اقتراب عيد الاضحى المبارك وأمام تفشي جائحة كورونا وخطرها على المعتقلين الأبرياء، ويذكر مركز الإمارات لحقوق الإنسان بضرورة تكريس مبدأ العدل والإنصاف ف”العدل أساس العمران والظلم مؤذن بخرابه”.