معتقلو الرأي في الإمارات…عيد آخر خلف القضبان بعيدا عن العائلة

بينما يحلّ العيد على الألاف من المسلمين حاملا معه فرحة الاجتماع بالعائلة والأحباب والأصدقاء، يقبع العشرات من معتقلي الرأي بينهم المحامي، والأكاديمي، والمهندس، والكاتب، والمربّي ،والحقوقي، والناشط، وغيرهم من خيرة أبناء الوطن في زنازين السجون الإماراتية تحت وطأة الانتهاكات وسوء المعاملة التي تزيد من غربتهم وتضاعف معاناتهم.
نرصد في كل مرة فصلا من فصول تلك المعاناة التي يعيشها معتقلو الرأي ولا يشاركهم فيها أحد سوى عائلاتهم وأحبابهم والنشطاء الذين يتابعون أخبارهم. حيث ستمرّ أيام العيد ثقيلة وحزينة على منهم داخل السجن ومن هم خارجه.

لا عفو رئاسي لمعتقلي الرأي 

دأبت السلطات في دولة الإمارات على اصدار عفو عن عدد من السجناء في المناسبات والأعياد الدينية والوطنية وفي كل مرّة كانت تستثني معتقلي الرأي من هذا العفو وكان أخرها خلال شهر رمضان وعيد الفطر حيث أصدرت عفوا في شهر رمضان عن 1511 نزيلاً من المنشآت الإصلاحية والعقابية كما قام أصدر حاكم إمارة الشارقة بإصدار عفو عن 108 من سجينا.وترقب العائلات هذه المناسبات لعلّ عفوا يشمل أحد أبنائهم من معتقلي الرأي الذين لا يجب أن يكون مكانهم السجن لأنهم ليسوا مجرمين ولم يرتكب أي جرم سوى الدفاع عن حقوق الإنسان وحاريات في البلاد.  ويأتي العيد هذا العام في ظرف صحي عالمي خطير وهو تفشي وباء كرورنا وقد كانت فرصة لتعجل السلطات باتخاذ خطوة الافراج عن معتقلي الرأي بينهم الذين أنهوا فترة أحكامه منذ سنوات ولكن حتى في ظل هذا الأزمة الصحية لم تكن السلطات منصفة رغم توارد أخبار عن تسجيل حالة إصابة بسجن الوثبة. ولنا أن نتخيل كيف قضت عائلات المعتقلين عيدهم وسط القلق على صحة أبنائهم وأزواجهم في السجون وهم محرومون حتى من العفو خلال العيد أو بسبب انتشار الوباء. 

فرحة العيد لن تكتمل لدى عائلات المعتقلين إلا بحريتهم 

تستقبل عائلات معتقلي الرأي عيد الفطر بحزن وقلق ككل مناسبة مرت عليهم وأحبابهم في السجن حيث يعلمون حجم الظلم الذي حل بهم منذ اعتقالهم وماتبعه من انتهاكات بحقهم مازالت مستمرة حتى اليوم.لا نعلم ان كان أهالي معتقلي الرأي قد تمكنوا من زيارتهم خلال هذه المناسبة أو حتى الاتصال بهم هاتفيا وذلك لما نعلمه من التضييقات التي تمارسها السلطات في هذا الجانب.

ثمن الحرية باهض ليس فقط للمعتقلين ولكن لعائلاتهم الذين يعيشون بعيدا بخوف دائم عليهم وقد أصبحت أعيادهم باهتة بسبب الغياب  ولما يلقونه هم بدورهم من انتهاكات نظرا لصلتهم بمعتقلي الراي.هذه ابنة المعتقل عبد السلام درويش تقول في تغريدة لها على موقع تويتر: ” يقضى والدي عيد فطره التاسع في محبسه ونقضي نحن عيد فطرنا الرابع في الغربة بعيداً عن الأهل والأصدقاء .. فعسى الله أي يجمعنا بهم جميعاً ويلم شمل كل من تشتت شمله وتفرق جمعه .. ولا يَحول الحول إلا ورفعت الغمة عن هذه الأمة”. 

من جهتها كتبت آلاء ابنة المعتقل محمد عبدالرزاق الصديق وقد وضعت صورة تجمعهم بوالدهم “كل عام وأنت بخير يا أبي عيدك الخامس عشر في السجن” كما ذكرت كيف حرمت السلطات والدها من حضور جنازة والدته والصلاة عليها.

من المؤسف أن تستمرّ هذه المعاناة وسط مواسم من المفروض ان تكون للفرح والاجتماع  والسلطات لاتبدي أي مبادرة لوقف هذه الانتهاكات وتبديدها وعلى العكس هذه السياسة القمعية ضد المعتقلين وعائلاتهم تزداد في كل مرة بين تضييق في العيش على الأهالي وحرمانهم من سير حياتهم كغيرهم من المواطنين وبين تنكيل بمعتقلي الرأي داخل السجون دون رقيب ودون محاسبة. 

معتقلون يقبعون في السجون تحت وطأة الانتهاكات 

تمر الأعياد والمناسبات السعيدة مرور الكرام على معتقلي الرأي بسبب حرمانهم من حريتهم وفي ظل الانتهاكات غير المسبوقة التي يتعرضون لها منذ اعتقالهم ومحاكمتهم محاكمات جائرة افتقرت لكل معايير المحاكمات العادلة وصدور أحكام قاسية بحقهم بتهم تتعلق حرية التعبير والدفاع عن الحقوق. وسط ممارسات تعسفية، يقضي المعتقلون عيد الفطر حيث التنكيل سيد الموقف في السجون بين سوء المعاملة والإهمال الطبي والتعذيب والحرمان من أبسط الحقوق وقد أفضت هذه الممارسات الى تدهور حالتهم الصحية والاضراب عن الطعام وأخطر من هذا  فقد أدت الى وفاة معتقلة واقدام أخرى على محاولة الإنتحار. 

وبينما يعيش الكثير من الناس هذه الأيام لحظات سعيدة بمناسبة العيد، فان المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء داخل السجون الإماراتية يعيشون أسوء أيام حياتهم منذ سنوات وسط واقع مظلم يظل دون رقابة أو محاسبة ممايسمح باستمراره بفضل سياسة التعتيم التي تنتهجها السلطات ولكن هذا لم يمنع من توثيق جزء من الانتهاكات التي يتعرضون لها حيث وثق مركز الإمارات لحقوق الإنسان في عدة تقارير له حجم التجاوزات الحقوقية والقانونية بحق معتقلي الرأي. 

شملت الانتهاكات الحقوق الأساسية للمعتقلين حيث يتم حرمانهم من أساسيات النظافة والتغذية المناسبة ومستلزمات النوم من سرير وغطاء ملابس.كما يتم وضعهم في الحبس الانفرادي ومنعهم من الخروج للشمس بشكل دوري والتواصل مع بقية السجناء.تدهورت الأوضاع الصحية للعديد من معتقلي الرأي جراء سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها ضدهم السلطات حيث لا توجد متابعة ورعاية صحية للذين يشتكون من أمراض مزمنة ومن المعتقلين من كانت صحته ممتازة عند دخوله السجن والان صار يعاني من عدو مشاكل صحية تبقى كلها دون متابعة.  وفضلا عما يعانونه من سوء معاملة، يُحرم المعتقلون  من زيارة أقاربهم بشكل منتظم ويتم في كثير من الأحيان الغاء الزيارات ويتم منع العائلات من زيارة أبنائهم مايتركهم فيح الة حيرة وقلق عليهم في ظل رفض السلطات تقديم مبررات لهذا المنع رغم مجيء العائلات ووقوفهم لساعات تحت شمس الصحراء أملا في رؤية أبنائهم المعتقلين. 

الحقوقي أحمد منصور يقضي عيدا اخر بعيدا عن عائلته: للعام الثالث يحرم الناشط الحقوقي البارز أحمد منصور من مشاركة فرحة العيد مع عائلته وأولاده وهو يقضي حكما ب10 سنوات سجن بسبب الدفاع عن حقوق الإنسان وممارسة حرية التعبير بشكل سلمي. ويتعرض منصور لانتهاكات خطيرة على غرار وضعه في الحبس الانفرادي في زنزانة ضيقة جدا تغيب فيها المرافق الأساسية كالسرير ودورة المياة كما يحرم من حقه القانوني في الزيارات العائلية بشكل منتظم.وخاض منصور اضرابا عن الطعام رفضا لما يتعرض له من سوء معاملة وقد تدهور وضعه الصحي بشكل كبير. وقد أدان المقرر الخاص لألمم المتحدة المعني بالتعذيب وستة من
خبراء حقوق اإلنسان التابعين للأمم المتحدة ظروف احتجاز منصور، وأشاروا إلى أن “الظروف السيئة الحتجازه في اإلمارات العربية المتحدة، بما في ذلك الحبس
االنفرادي لفترات طويلة، قد ترقى إلى التعذيب”. 

الدكتور ناصر بن غيث : أكاديمي يقضي حكما ب 10 سنوات سجن بسبب التعبير عن الرأي وقد تعرض للاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة مما دفعه لخوض أكثر من اضراب عن الطعام احتجاجا على تلك الممارسات. وقد تدهورت صحة بن غيث حيث فقد الكثير من الوزن، كما ضعف بصره ، وصار يجد صعوبة في الوقوف والمشيء بدون مساعدة. كما أنه يعاني من ارتفاع ضغط الدم ولكن يُحرم من الحصول على الرعاية الطبية المناسبة وكثيراً ما يُحرم من الأدوية الحيوية، مثل أدوية ضغط الدم.يقضي بن غيث سنوات من عمره بعيدا عن عائلته واليوم يمرّ العيد الخامس له وهو خلف قضبان السجون الإماراتية ظلما. 

الدكتور محمد الركن: محامي وحقوقي مرموق ومشهود له بمجهوده الكبير في الدفاع عن معتقلي الرأي في الإمارات وهو حائز على جائزة “لودوفيك تراريو” الدولية لحقوق الإنسان لعام 2017. وليس الركن بمنأى عن الانتتهاكات كغيره من معتقلي الرأي حيث كان ضحية للحبس الانفرادي والاختفاء القسري بالاضافة الى العديد من المضايقات الاخرى وسوء المعاملة فضلا عن حرمانه من الزيارات العائلية بشكل منتظم. وفي يوليو 2019 وجه كل من الفريق المعني بالاعتقال التعسفي و المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والمقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان اضافة الى المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، رسالة إلى الحكومة الإماراتية يعربون فيها عن قلقهم بشأن وضع الركن وظروف احتجازه السيئة في سجن الرزين. يقضي الركن حكما ب10 سنوات بعد اعتقاله ضمن حملة الاعتقاالت التي شنتها السلطات الاماراتية بحق النشطاء والاصلاحيين بالبلاد التي بدأت في النصف الثاني من شهر يوليو 2012.

يترقب المعتقلون وعائلاتهم فرحة حقيقية بحريتهم والاجتماع مجددا ببعضهم وهو ماترفض السلطات الإماراتية الاستجابة له الى اليوم رغم تجدد المطالب الدولية والحقوقية بالإفراج عنهم.ومع مرور مناسبة أخرى وهي عيد الفطر يؤكد مركز الإمارات لحقوق الإنسان أن استمرار حبس العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء في السجون الإماراتية وتعريضهم لشتى أنواع سوء المعاملة بشكل مستمرّ وحرمانهم من حريتهم والتضييق على عائلاتهم يكشف تعنت السلطات وفشلها في الالتزام بالمواثيق والمعاهدات  الدولية التي تحظر تلك الممارسات كما يحيل على غياب المراقبة وسط السماح الممنهج لسياسة الإفلات من العقاب والمحاسبة. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى