الإمارات.. انتهاكات عابرة للحدود

من خلف أبراجها الشاھقة وصورتها المقدمة بلدا لـ”السعادة”، تطل الإمارات العربية المتحدة بوجه آخر على العالم في مجالي الحقوق والحريات، أجمعت المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان على وصفه بالدمامة.

من خلف أبراجها الشاھقة وصورتها المقدمة بلدا لـ”السعادة”، تطل الإمارات العربية المتحدة بوجه آخر على العالم في مجالي الحقوق والحريات، أجمعت المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان على وصفه بالدمامة.

لا تتردد هيومن رايتس ووتش في القول إن الإمارات إذ “تقدم نفسها منارة للتسامح بالمنطقة، فإن الحقائق تكشف عن وجود حقيقة أقبح من ذلك بكثير تنم عن ازدراء لمبادئ حقوق الإنسان”.

للإمارات تاريخ متقادم نسبيا في مجال القمع والضيق بالرأي، لكنه توحش أكثر في غمرة الربيع العربي وارتداداته، حيث شنت سلسلة من الاعتقالات التعسفية الواسعة في صفوف مواطنيها منذ إطلاق صافرته الأولى.

نفذت أجهزة الأمن الإماراتية منذ ذلك الحين حملات اعتقال وخطف وإخفاء قسري وتعذيب شملت المئات من المواطنين، واكتوى بنيرانها العديد من أبناء الجاليات العربية من مصريين وأردنيين وسوريين وليبيين وتونسيين، وامتد ليشمل حتى مواطنين خليجيين.

وفي غمرة معركتها تلك، سنت العديد من القوانين الزجرية من ضمنها “قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات” الصادر عام 2012، و”قانون مكافحة الإرهاب” الصادر عام 2014، اللذان وصفتها المنظمات الحقوقية بأنهما من أسوأ القوانين في العصر الحديث لما اشتملا عليه من عقوبات قاسية.

وقد اتسعت دائرة الانتهاكات الإماراتية لتعبر الحدود الإقليمية مع انكشاف العديد من السجون التي تديرها في كل من إريتريا وليبيا واليمن، واقترفت فيها أبشع الانتهاكات من حرق للأجساد ورمي في شاحنات مليئة بالبراز، وفق ما أثبتته وكالة أسوشيتد برس وعضدته هيومن رايتس ووتش.

التغطية التالية هي متابعة توثيقية للملف أعدها محرر صفحة الحقوق والحريات.

التعذيب في السجون

وفق منظمة العفو الدولية فإن “تعرض المعتقلين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة لا يزال أمرا شائعا يمارس بمنأى عن العقاب والمساءلة” في الإمارات.

وتقول المنظمة إن الحكومة الإماراتية لم تقم ولا أي من دوائرها بإجراء تحقيقات مستقلة في ادعاءات بتعرض المعتقلين للتعذيب.

وأحصت المنظمة من أنواع التعذيب الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والضرب، والصعق بالصدمات الكهربية، والحرمان من النوم.

وزاد المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان في جنيف تجويع السجناء لقمعهم وكسر إرادتهم، فضلا عن التبريد الشديد، والتغذية القسرية للمضربين عن الطعام.

 لم ينس العالم بعدُ مشهد الشيخ عيسى بن زايد الأخ غير الشقيق لرئيس الإمارات وهو يسوم أفغانيا يدعى محمد شهبور سوء العذاب، في مشهد صدم العالم وبثته محطة تلفزيون “أي بي سي” الأميركية.

ويظهر الشريط الشيخ عيسى وهو يمر بسيارته فوق الرجل في منطقة صحراوية بالإمارات، ويطلق النار حوله ويحشو فمه بالرمل بمساعدة شرطي قبل إشعال النار في أعضائه التناسلية، مع جَلده بالسياط وضربه بقطعة خشب بها مسامير.

ووصفت الولايات المتحدة الأميركية تلك الحادثة -التي برأ فيها القضاء الإماراتي عيسى بن زايد- بأنها “جريمة شنعاء”.

حوادث الاختفاء القسري

تعرض عشرات المعتقلين، وبينهم أجانب، للاختفاء القسري على أيدي السلطات، حيث احتجزتهم طيلة شهور سرا دون الإقرار باحتجازهم، وفق العفو الدولية. وذكر كثير من هؤلاء الأشخاص، لدى الإفراج عنهم، أنهم تعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

وتعرضت للإخفاء القسري لأشهر الشقيقات الثلاث أسماء ومريم واليازية بنات خليفة السويدي.

وتعرض عبد الرحمن بن صبيح للاختفاء القسري لمدة ثلاثة شهور على أيدي السلطات الإماراتية، بعد أن أعادته إندونيسيا قسرا إلى الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2015. كما تعرض للاختفاء القسري فترات طويلة ناصر بن غيث، وهو أستاذ جامعي وخبير اقتصادي.

وأخفت سلطات الإمارات قسريا الأكاديمي والحقوقي البارز الدكتور محمد عبد الله الركن، قبل تقديمه للمحاكمة والحكم عليه بالسجن 10 سنوات في قضية “الإمارات 94” (الوارد ذكرها في الفقرة الموالية).

كما أخفت سلطات الإمارات “مجموعة شباب المنارة” قسريا لمدة 20 شهرا بعد اعتقالهم 2013.

المحاكمات الجائرة

رصدت المنظمات الحقوقية محاكمة الإمارات مئات الأشخاص، وبينهم مواطنون أجانب، أمام دائرة أمن الدولة، وكثيرا ما كان ذلك بناءً على تهم صيغت بعبارات مبهمة تتعلق بأمن الدولة، وفق العفو الدولية.

وحرمت دائرة أمن الدولة المتهمين من الحق في تقديم دفاع فعال، وقبلت أدلة انتزعت تحت التعذيب لإدانة المتهمين.

وفي وقت سابق أدانت دائرة أمن الدولة 34 شخصا بتهم من بينها إنشاء “مجموعة شباب المنارة” بغرض “الإطاحة بالحكم”.

ولا يزال العالم يذكر المحاكمة الجماعية التي أجرتها الإمارات في عام 2013، وعرفت إعلاميا بقضية “الإمارات 94″، وخضع لها 94 إماراتيا متهمين بـ”التآمر ضد نظام الحكم” في البلاد وتشكيل “تنظيم سري” للإخوان المسلمين، وذلك بعد مطالبتهم بإجراء إصلاحات سياسية.

ووصفت هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية تلك المحاكمة بأنها “جائرة” ولم ترق حتى إلى مستوى المحاكمة.

إضرابات عن الطعام

شن المعتقلون في سجون أبو ظبي عددا من الإضرابات عن الطعام، وآخرها إضراب عن الطعام شنه أواسط يونيو/حزيران2017 سجناء سياسيون في سجن الرزين.

ويقول مشاركون في حملة تضامن معهم إن ما أطلقوا عليه اسم “معركة الأمعاء الخاوية” انطلقت بسبب ممارسات عنيفة وحرمان من الحقوق من قبل إدارة السجن وجهاز أمن الدولة الإماراتي تجاه النزلاء، إلى جانب السجن لفترات طويلة بلغت خمس سنوات لبعضهم دون محاكمات. 
وذكّرت الحملة بشكل خاص بالسجين عمر الرضوان الذي قاد الإضراب، وهو يقضي عقوبة السجن سبع سنوات في إطار “الإمارات 94”.

قبل أيام لفت المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف إلى أن سجون دولة الإمارات تكتظ بالمساجين و”تشتد الحرارة داخل غرفها وتنتشر الأوساخ والأمراض”، وقال إن “إدارة السجون لا تقدم الرعاية الطبية اللازمة للمرضى من المساجين ولا ما يكفيهم من الماء والطعام، بل تتعمد تعطيشهم وتجويعهم”.

وصنف المركز الدولي لدراسات السجون العام الماضي سجن الرزين الصحراوي ضمن السجون العشرة الأسوأ بالعالم، ويصفه نشطاء حقوقيون بأنه “غوانتانامو الإمارات” حيث يخضع المعتقلون للتعذيب الجسدي والنفسي، والتبريد الشديد، والحرمان من النوم.

أسر المعتقلين

 يحتوي “قانون مكافحة الإرهاب” الإماراتي على بنود من شأنها تعريـض زوجات وعائلات سجناء الرأي إلى خطر حقيقي، وفق هيومن رايتس ووتش.

ولم يعد بمقدور العائلات، بحسب ذلك القانون، كشف أي انتهاك مارسته السلطات الإماراتية أو عرضه على الرأي العام وإلا ستحرم من حقوقها وحقوق أطفالها.

وفي تقريره الصادر مطلع يوليو/تموز 2017، دعا المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف العالم إلى تسليط الضوء على ما تعانيه أسر معتقلي الإمارات العربية المتحدة من “تنكيل وانتقام”، وإلى إدانة الانتهاكات التي تطالهم.

ودعا أيضا إلى التوقف عن سياسة العقاب الجماعي ضد أسر المعتقلين وأبنائهم، واحترام حقهم في السفر والعمل والدراسة والتصرف في أموالهم وممتلكاتهم، وهي حقوق محرمون منها.

ملاحقة المتورطين

قررت مجموعة من القانونيين البريطانيين مطلع يوليو/تموز 2017 خوض معركة قضائية ضد المتورطين الإماراتيين في جرائم التعذيب، ودعت كل من المنظمة العربية لحقوق الإنسان والحملة الدولية من أجل حرية التعبير في الإمارات -ومقرهما لندن- الحكومة البريطانية إلى تشديد ضغطها على دولة الإمارات لحملها على احترام حقوق الإنسان، والكف عن اعتقال الأفراد بسبب آرائهم السياسية.

وقالت المنظمتان -خلال ندوة في البرلمان البريطاني تحت عنوان “الإمارات.. حقوق الإنسان في أزمة”- إن السلطات الإماراتية اعتقلت المئات من مواطنيها ومن الأجانب، لا سيما خلال ثورات الربيع العربي.

وأدلى بعض المعتقلين السابقين في السجون الإماراتية بشهادات أكدوا فيها تعرضهم لانتهاكات وتعذيب.

وقدم معتقلون سابقون في الإمارات شهاداتهم في الندوة، ومنهم البريطاني ديفد الذي قضى 22 شهرا في سجن إماراتي، وقال إنه تعرض للتعذيب وشاهد أشخاصا يضربون ويعذبون ويصعقون بالكهرباء، وأشار إلى أنه يتلقى علاجا لاضطرابات ما بعد الصدمة والتعذيب.

حرية التعبير وتكوين الجمعيات

شدَّدت السلطات الإماراتية من القانون المتعلق بتبادل المعلومات إلكترونيا، وفرضت قيودا على أشكال التعبير وتكوين الجمعيات، وسنَّت قانونا يحظر استخدام الشبكات الافتراضية الشخصية.

وتقول هيومن رايتس ووتش إن السلطات الإماراتية “تلاحق كل شخص لا يلتزم بتوجهاتها، والفضاء الافتراضي أصبح مكانها المفضل لاصطياد المنتقدين والمعارضين”.

وقبضت السلطات الإماراتية على الأكاديمي ناصر بن غيث في أغسطس/آب 2015 لمجرد أنه انتقد في وسائل التواصل الاجتماعي في الذكرى الثانية للمذبحة عمليات القتل الجماعي التي نفذها الأمن المصري في حق متظاهري ميدان رابعة العدوية، ولا يزال قابعا في السجن.

وجاء اعتقال بنات السويدي (أسماء ومريم واليازية) لمجرد تنظيمهن حملة سلمية لمساندة شقيقهن، سجين الرأي الدكتور عيسى السويدي، على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.

ومؤخرا نشر معهد “سيتيزن لاب” التابع لجامعة تورونتو الكندية -الذي يركز على أمن الإنترنت وحقوق الإنسان- تقريرا حدّد فيه سلسلة من الحملات الرقمية ضد المعارضين الإماراتيين منذ عام 2012.

ووصف المعهد هذه الحملات بأنها “مصدر تهديد على درجة عالية من التعقيد”، وأضاف أنه من المستبعد ألا يكون طرف حكومي وراء الحملات.

ودأبت منظمة مراسلون بلا حدود على وضع الإمارات في مؤشرها لحرية الصحافة في مراتب متأخرة جدا (في آخر تقرير للسنة الحالية وضعتها في المرتبة 129).

وقبل أيام وفي إطار إجراءات دول الحصار على قطر، حذرت الإمارات مواطنيها ومقيميها بالغرامات الباهظة وبالسجن 15 عاما لمجرد التعاطف مع الدوحة ولو بمجرد تغريدة.

تهديد بقتل صحفي

أفادت منظمة العفو الدولية بأن الناشط الحقوقي البارز أحمد منصور تعرض لاعتداءات جسدية في معتقله وتلقى تهديدات بالقتل، وهو محبوس الآن، وحثت دولة الإمارات على إطلاق سراحه.

وقالت وسائل إعلام حكومية إنه “احتجز بتهمة نشر أخبار كاذبة وشائعات على تويتر وبإثارته للفتنة الطائفية، مما من شأنه الإضرار بالتناغم الاجتماعي في الإمارات ووحدة البلاد وتشجيع أتباعه على وسائط التواصل الاجتماعي على عدم اتباع قوانين الدولة، وتصوير الإمارات على أنها بلد لا يعرف القانون”.

استخدام “البروكسي” والشبكات الافتراضية الخاصة

أصدرت الإمارات في مايو/أيار 2017 سلسلة جديدة من القوانين المتعلقة بجرائم تكنولوجيا المعلومات، وينص أحدها على أن أي شخص يستخدم تقنية الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) أو “بروكسي” في دولة الإمارات العربية المتحدة “لارتكاب أو منع اكتشاف جريمة” يمكن سجنه أو تغريمه بخمسمئة ألف درهم إلى مليوني درهم (نحو 547 ألف دولار) ويمكن جمع العقوبتين.

وتستخدم الشبكات الافتراضية الخاصة والبروكسي عادة للوصول إلى التطبيقات المحجوبة والمحظورة في الإمارات، خاصة خدمات الاتصال الصوتي في سكايب وواتساب.

عقاب صحفي أردني

ثبّتت المحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي في يونيو/حزيران 2017 حكما سابقا بحق الصحفي الأردني تيسير النجار، يقضي بسجنه ثلاث سنوات وتغريمه نصف مليون درهم إماراتي (نحو 136 ألف دولار) وإبعاده.

وردت المحكمة الطعن الذي تقدم به موكل الصحفي الأردني، الذي يقبع في سجن الوثبة الصحراوي منذ توقيفه في مطار أبو ظبي عندما كان مسافرا إلى عمّان عام 2015.

وقررت المحكمة مصادرة أجهزة النجار وإغلاق حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي للتهمة ذاتها، وهي إهانة “رموز الدولة” في مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت ماجدة حوراني إن زوجها تيسير تعرض للاستجواب خلال اعتقاله بشأن تعليقات نشرها على فيسبوك خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، أي قبل انتقاله إلى الإمارات، عبّر فيها عن دعمه “للمقاومة في غزة” وانتقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

حقوق العمال الأجانب

ظل العمال الأجانب، الذين يشكلون نحو 90% من قوة العمل في القطاع الخاص، يعانون من الاستغلال والإيذاء في الإمارات، وهم محرومون من حقوق التفاوض الجماعي في ظل حظر النقابات العمالية.

وتقول المنظمات الحقوقية إن كل العمال الأجانب الذين يشاركون في إضرابات في الإمارات يواجهون الترحيل.

وبحسب هيومن رايتس ووتش لم توفر الإمارات حماية كافية للعمال الوافدين إلى البلاد من انتهاكات جسيمة، بمن فيهم عمال البناء.

وتقول العفو الدولية إن عمال المنازل في الإمارات، ومعظمهم نساء من آسيا وأفريقيا، “مستبعدون” وهم دون حماية قانونية ومعرضون للاستغلال ولانتهاكات جسيمة، بما في ذلك العمل القسري والاتجار في البشر. وتشاركها في الخلاصة نفسها هيومن رايتس ووتش.

ورصدت وزارة الخارجية الأميركية انتهاكات فظيعة بحق العمال في الإمارات، منها حجب الأجور ومصادرة جوازات السفر والإيواء في ظروف غاية في السوء والترحيل في حال الاحتجاج.

للاطلاع على التقرير كاملا: http://www.aljazeera.net/knowledgegate/newscoverage/2017/7/11/%D8%A7%D9%…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى